تداولت مؤخرا مواقع التواصل الاجتماعي ما قيل أنه نسخة تعديل الدستور ، و انساق حتى بعض الإعلاميين و السياسيين وراء التسريب و انطلقوا في الحديث ارتكازا عليه .
فسارعت رئاسة الجمهورية يوم الاثنين، في بيان إلى التأكيد بأن النسخة المسوقة “لا تمت بأي صلة للمشروع الذي قدمته لجنة الخبراء برئاسة البروفيسور أحمد لعرابة للرئيس تبون وأن “رئيس الجمهورية أجل توزيع مشروع تعديل الدستور على الأحزاب والمجتمع المدني والشخصيات الوطنية لمناقشته، لأن الظرف لا يسمح بمناقشة وثيقة أساسية بحجم تعديل الدستور من جهة، ومن جهة ثانية حتى تتجمع كل طاقات الأمة لمكافحة انتشار جائحة الكورونا”.
و أن “رئاسة الجمهورية، وبعد أن يرفع الله عن الأمة هذه الجائحة، ستعلم الرأي العام رسميا بالشروع في توزيع مشروع تعديل الدستور لمناقشته وإثرائه”.و أكد البيان: “إن كل ما يتم تداوله حاليا بشأن أي نسخة حول تعديل الدستور، لا يلزم إلا أصحابها، الذين يقعون لا محالة تحت طائلة المتابعة القضائية، خاصة وأن هذه النسخة المزورة تتضمن مسّا صريحا ببعض ثوابت الأمة وهويتها”.
ما ذكر عينة من عينات الانفلات الذي يمس بالحقيقة ، ولا يمكن أن نصل إلى الحقيقة إلا بما ينتمي إليها فكما يقول علماء الأصول :” ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ” ، أي أن المعلومة لا يمكن أن تنشر إلا بعد تدقيق و تمحيص و تثبت من مصادرها و من طبيعة تلك المصادر و أهليتها لنشر و بث المعلومة .
و الإعلام إما خبر أو رأي ، و في كلتا الحالتين التدقيق من الواجبات الأساسية ، فالخبر يستقى من مصادره و يتم التحري عن أية معلومة أو صورة . و أيضا الخبر يعالج بالاستناد إلى ما يقوله أهل الاختصاص في المجال الذي يقترن به الخبر .
و الأمر في الرأي أو التحليل ، يستدعي أيضا التأسيس فلا رأي و لا تحليل بدون معطيات ، و إلا أصبح اللغو هو المهيمن .
و في مواجهة كورونا ، تسابقت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي إلى استعراض و عرض منفلت للأرقام و الصور و التعاليق ، و ركبت بعض وسائل الإعلام الموجة فاجترت و استنسخت تلك التفاصيل بدون القيام بمعالجة إعلامية مرتكزة على المعايير التي تصغ الاحترافية .
كتب الكاتب الصحفي توفيق رباحي :” العالم في زمن كورونا ضحية مرتين. مرة ضحية فيروس كورونا، ومرة ثانية ضحية الأخبار الزائفة المتعلقة بالفيروس. والأخبار «المضروبة» تنتشر بسرعة تنافس سرعة ومدى انتشار الفيروس ذاته” و” مع تفشي فيروس كورونا عبر العالم منذ بداية العام الجاري أوجد الناس، في كل القارات وأغلب البلدان، أرضية خصبة لانتشار هذا الفيروس الفتّاك. الأرضية الخصبة هي استعداد الناس لتقبل ما يصلهم عبر وسائط التواصل الاجتماعي من معلومات مغشوشة، ومساهمتهم في توزيعها على غيرهم بسرعة وبلا تفكير .
العالم مُطالَب اليوم بإيجاد أساليب توقف انتشار الفيروس. ومطالَب أكثر بإيقاف الأخبار والفتاوى العلمية عنه. حرب على جبهتين لا تقل إحداهما أهمية عن الأخرى. هذا السيل الجارف من الفيديوهات والنصوص لا يمكن أن يستمر لأنه لا يقل خطورة عن الفيروس”.و يضيف :” العالم في زمن كورونا ضحية مرتين. مرة ضحية فيروس كورونا، ومرة ثانية ضحية الأخبار الزائفة المتعلقة بالفيروس. والأخبار «المضروبة» تنتشر بسرعة تنافس سرعة ومدى انتشار الفيروس ذاته“.
و للتطور التكنولوجي في مجال الاتصالات و المعلوماتية أثاره الإيجابية و لكن أيضا تأثيراته السلبية و السالبة للحقيقة .
فالتكنولوجيا ساعدت على اختلاق و فبركة الفيديوهات و الصور و التلاعب بالمعطيات ، و في الوقت نفسه هناك آليات لكشف ذلك و لكن يتطلب ثقافة تقنية و حسا مهنيا .
و إضافة لما يسوّق من أخبار كاذبة أو غير مكتملة ، و من تحاليل غير مؤسسة على معطيات دقيقة ، هناك الانحراف الأخلاقي الشنيع الذي يتمثل في استسهال الخوض في الأعراض و الذمم ، و في التسويق للانحراف و الدجل و الدروشة ، و في انتحال أدوار ترجع لفئات أخرى .
و المعالجة الإعلامية تقتضي الاستعانة بالخبرات التي لها صلة بالمواضيع المعالجة ، و هذا معمول به في القضاء عندما تتم الاستعانة بالخبراء المعتمدين و أيضا في الفقه و الفتوى و في كل مجال ، لأن احترام الاختصاص من قواعد تحقيق الدقة .
و في فترات سابقة كان التخصص حاضرا إعلاميا من خلال شراكة مع المختصين و أيضا من خلال مسار تكوين صحفيين مختصين في مجالات محدّدة .
تلعب وسائل الإعلام دورا في كل مجال ..و بسبب انقلاب المعايير أصبحت بعض المنابر الإعلامية تروج للدجل و التزييف العلمي ..في السابق و رغم محدودية المنابر كان هناك أداء نوعي في حصة طبيب الأسرة التلفزيونية التي كان ينشطها المرحوم مصطفى عبادة و الحصة الإذاعية التي كان ينشطها المرحوم محمد الدحاوي ..كما كانت كتابات أمثال المرحوم احمد عروة ..و ممن يواصلون الدور الدكتور يحيى دلاوي الذي أعّد صفحات في عدة صحف و نشط حصص إذاعية. .الآن تبرز الحاجة لإعادة تفعيل هذا الدور الإعلامي في مجال الثقافة الصحية .
محمد بن زيان