كتاب و مفكرون و ساسة ، يؤكدون انطلاقا من تداعيات اجتياح جائحة كورونا سقوط و إفلاس منظومة جعلت المصير في قبضة لوبيات و مراكز القوى المالية و الصناعية و تخلي الدول عن حضور ضابط للتوازن و ضامن للاستقرار الاجتماعي .
و تداعيات كورونا نبهت إلى محورية التنمية الاجتماعية و اعتبار الإنسان هو أساس كل تنمية ، و لا قيمة لنمو منحصر في أرقام باردة … و ربما الحضور المتميّز للبعثات الطبية الكوبية عبر العالم لإسعاف و دعم بلدان كانت تصنف ضمن الكبار .
في بلدنا مرجعية الدولة هي أدبيات الحركة الوطنية و نصوص الثورة من بيان أول نوفمبر إلى برنامج طرابلس ، و هي كلها نصوص تركز على الطابع الاجتماعي للدولة و للديمقراطية .
و لتعميق ذلك و تأكيده ، و تخليصه من هيمنة الشعبوية و الطفيلية المترتبة عن النمط الريعي ، نحتاج إلى صياغة جديدة و إلى بلورة فعلية لعقد اجتماعي من خلال شراكة مع الممثلين الحقيقيين أي ليس كما كان عليه الحال في تركيبة مكونات الثلاثية في الفترة السابقة .
يقول الباحث المصري عمرو حمزاوي : “إزاء المسار العالمي المدمر لكورونا، أكثر من مليون مصاب وأكثر من 70 ألف قتيل وملايين العاطلين عن العمل ونظم رعاية صحية معرضة للانهيار وركود اقتصادي يدفع ثمنه الفقراء والضعفاء والمهمشون وتتحسب له رؤوس الأموال الكبيرة، تسجل الدولة وأداتها الرئيسية المتمثلة في الحكومة المتدخلة عودة مظفرة هذه الأيام.
لتوفير المعدات والمستلزمات الطبية اللازمة لعلاج المصابين وحماية أطقم الرعاية الصحية، استخدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قوانين استثنائية تعود سنوات الحرب العالمية الثانية لإجبار شركات صناعية مثل «جنرال موتورز» على إنتاج أجهزة التنفس الصناعي ومثل «3ام» على إنتاج الأقنعة الواقية للوجه.
لدفع مواطنيها على البقاء في منازلهم والالتزام بتوصية التباعد الاجتماعي، وظفت الحكومة الألمانية صلاحياتها الفيدرالية مصدرة قرارات بمنع الخروج إلى الشوارع إلا لقضاء ضرورات الحياة وبفرض غرامات مالية على المخالفين. تدخلت حكومة المستشارة انجيلا ميركل أيضا لتأمين مخزون استراتيجي من السلع الغذائية الأساسية والمعدات والمستلزمات الطبية إن بتشجيع الشركات الألمانية على توفيرها كشركة فولكس فاغن لصناعة السيارات التي استجابت للطلب الحكومي وبدأت بالفعل في إنتاج أجهزة التنفس أو بشراء تلك السلع والمعدات والمستلزمات بكميات كبيرة من الخارج.
أما في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، فقد اتجهت الحكومات إلى فرض حظر التجوال للحد من انتشار الفيروس وخرجت قوات الجيش وعناصر الشرطة إلى الفضاء العام لضمان تطبيق الحظر. واشتركت هذه الدول مع الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا في اعتماد برامج اقتصادية ومالية ضخمة للحد من التداعيات الكارثية للركود الحالي على من فقدوا وظائفهم وتعطلوا عن العمل وعلى الشركات والمصالح الصغيرة والمتوسطة والكبيرة. بل تتداول أغلبية الحكومات الغربية اليوم فرص تمرير برامج اقتصادية ومالية إضافية للحيلولة دون تحول إلى الركود الحالي إلى كساد طويل الأمد.
تكتشف المجتمعات في الشرق الأوروبي والآسيوي والأوسط أن الدولة وعلى الرغم من غياب الديمقراطية وضعف حكم القانون تظل الفاعل المجتمعي الأكثر قدرة على مواجهة الأزمات الكبرى“
و يشير لبقية الحكومات في مختلف جهات العالم ، و يختم حديثه قائلا :
“هذه لحظة لعودة الدولة وللحكومات المتدخلة بعمق وقوة في إدارة الشأن العام، من الصحة إلى الاقتصاد. وسيكون لهذه اللحظة المرشحة للامتداد الزمني تداعيات سياسية واسعة. فكما تكتشف المجتمعات الغربية أن الرأسمالية العنيفة وعلى الرغم من التنظيم الديمقراطي وحكم القانون السائدين ستترك المواطنين بمفردهم في مواجهة الأزمات الاقتصادية والمالية الخانقة وأن سبل الإنقاذ من الانهيار والركود والكساد دوما ستعود إلى الدولة، تكتشف المجتمعات في الشرق الأوروبي والآسيوي والأوسط أن الدولة وعلى الرغم من غياب الديمقراطية وضعف حكم القانون تظل الفاعل المجتمعي الأكثر قدرة على مواجهة الأزمات الكبرى وتقديم مظلات الأمان المطلوبة لتجاوز الأخطار المحدقة بالمواطنين صحيا واقتصاديا“.
ما ذكره الباحث حمزاوي ، تضمنته إشارات و قرارات حتى من يعتبرون رموزا للرأسمالية العالمية ، كالرئيس الفرنسي ماكرون .
و الدولة كحكم ، و كإطار حامي للمجتمع و الأفراد ، شرعيتها كما يذهب فقهاء الفقه الدستوري مرتبطة بحمايتها لمن يعيشون في ظلها ، و كلما فقدت القدرة على ضمان التكفل ، اختلت شرعيتها .
و كما يقول المفكر المغربي عبد الإله بلقزيز :” ما من نظام سياسيّ يبحث عن الأمن الاجتماعيّ والاستقرار لا يُحِلّ المسألة الاجتماعيّة محلّ القلب من اهتماماته؛ فهي، قبل سواها، مفتاح ذلك الاستقرار ونقطة ضعفه القاتلة في الوقتِ عينِه. قد لا تكون مطالب سياسيّة من قبيل: حقّ الرأي والتعبير، وحرّية الصحافة، والحقّ في تشكيل الجمعيّات السياسيّة والنقابيّة، وضمان الحريات الفرديّة، وإطلاق البناء الديمقراطيّ والمؤسسيّ، والمشاركة السياسيّة، وفتح مجال السلطة وأجهزتها أمام التداول العموميّ…إلخ، مطالبَ عامّة تشمل جمهورَ الشعب قاطبة، وقد لا يتجاوز نطاقُ التعبير عنها بيئات النخب الثقافيّة والسياسيّة وشرائح متعلّمة من الطبقة الوسطى وبالتالي، قد لا ترقى المطالب تلك إلى درجة تهدید التوازنات السياسيّة والاجتماعيّة القائمة. أما مطالب الخبز، وتوفير فرص العمل، والسكن اللائق، والصحّة والضمان الصحّيّ، والتعليم، والزيادة في الأجور والتعويضات، والكرامة والعدالة في توزيع الثروة فليست نخبويّةً؛ لأنّها تهمّ حياة السواد الأعظم من طبقات الشعب. وحين لا تجد هذه المطالب سبيلاً إلى إجابتها والإشباع، تقود حمَلَتَها إلى رفع مستوى التعبير عنها إلى حدٍّ أبعد. هذا ما يفسّر لماذا تكون، عادةً، في أساس موجات الاحتجاج الشعبيّ، ولماذا يجنح ذلك الاحتجاج – عند لحظةٍ منه يتسَيَّس فيها لمبارحة نهجه السلميّ والتمظهر في صُوَرٍ من العنف الاجتماعيّ”.
محمد بن زيان