ربما جائحة كورونا جاءت ثأرا للبحث العلمي و للأطباء ، و استعادة لمكانة العلم بعد أن هيمنت الكرة و الغناء و التمثيل ، و ارتفعت أسهم أصحاب المال .. كورونا جاءت لتنبه من يمثلون صمام الأمان الحقيقي و من يحافظون على الحق الأول و الأساسي في منظومة حقوق الإنسان ، أي الحق في الحياة .
الجيش الأبيض في الخط الأول للمواجهة ، بعد مواكب الاحتفاء باللاعبين ، صارت الشرفات في العواصم الأوربية تدق التحية للأطباء و عناصر الشبه الطبي ، و صار الجيش الأخضر كما في الصين يؤدي التحية للجيش الأبيض .
في السنة الماضية صعد نجم مدرب الفريق الوطني و لاعبيه و تم الارتفاع بهم إلى مستوى لم يحلم به و لم يصل إليه عالم و لا مفكر ، و مع نجوم الكرة ، كان بالارتباط مع الحراك صعود لسهم المحامين و هو ما دفع الباحث ناصر جابي إلى القول :”
كما كان عام 2019 في الجزائر عاما للمحامين“فإنه ” فإن عام 2020 سيكون عام الأطباء بكل تأكيد، بعد انتشار وباء كورونا خلال هذه السنة، بما عرفوا به من مواقف مهنية مشرفة، وبداية تسجيل إصابات بين أبناء وبنات المهنة، كما هو حاصل في العديد من الدول، في عالم يدشن حرب الكمامات!”.
بعد أن كان ميسي و كريستيانو رونالدو و امثالهم يتصدرون ، أصبح النجم أمثال ديدييه راوول
كتب الكاتب و المترجم بوداود عمير 🙁 الطبيب الفرنسي الدكتور ديديه راؤول، مدير المعهد المتوسطي لمكافحة الأمراض المعدية في مرسيليا، مكتشف العلاج المضاد لفيروس كورونا، أصبح منذ إعلانه عن هذا الاكتشاف، الرجل الأكثر شهرة في فرنسا والعالم؛ تسلط عليه جميع الأضواء، ويتصدر أغلفة المجلات والصحف؛ ما عدا وزارة الصحة الفرنسية، التي أبدت بعض التوجس في اعتماد اكتشافه، وهو ما أزعج الطبيب الفرنسي، الذي قال في حوار أجرته معه صحيفة “لوباريزيان“: “كل يوم، يتصل بي الأطباء من جميع أنحاء العالم، يسألوني عن طرق العلاج بهذا العقار.. في المستشفى العمومي في لندن، اتصل بي هاتفيا، طبيبان يعتبران الأكثر تخصصا في العالم أحدهما في الأمراض المعدية والآخر في المضادات الحيوية، طلبا مني معلومات بخصوص العلاج، وكيفيات تطبيقه. وحتى الرئيس الامريكي ترامب، كتب تغريدة مرحبا فيها بنتائج أبحاثنا، ما عدا هذا البلد (يقصد فرنسا)، الذي لا يقدر قيمتي.. ليس لأننا لا نسكن باريس، لا نعرف العلوم.. وكأن هذا البلد أصبح فرساي القرن الثامن عشر“. الدكتور ديديه راؤول يبدو متأكدا من نفسه : “أنا مقتنع، أنه في نهاية المطاف، سيستخدم الجميع هذا الدواء؛ فقط مسألة وقت“. وعن المضاعفات الجانبية التي يمكن أن يسببها هذا الدواء، حسب الاخصائيين، يجيب الطبيب ديديه راؤول غاضبا: “ما يقولونه مجرد هذيان، هؤلاء الأشخاص لم يفتحوا كتابًا طبيًا منذ سنوات. لقد تناول هذا الدواء أكثر من مليار شخص في العالم، والأشخاص الذين يعانون من الأمراض الجلدية يتناولونه منذ عقود… أعرف هذه الأدوية جيدًا، لقد عالجت 4000 شخص لمدة 20 عامًا. لست أنا الغريب الأطوار، كما يدعون، بل هم الجهلة …”
في فرنسا الجميع يعترف بكفاءته العلمية، من خلال خبرته الميدانية الطويلة وأبحاثه العلمية المرموقة، ومؤلفاته العلمية؛ ولكن الجميع يشكك في أمره، ربما لأنه شخص معتد بنفسه أكثر من اللازم، ساخط على الجميع، أو ربما لأن مظهره غريب نوعا ما، في لباسه، في شعره الطويل، الساعة الحمراء التي يحملها، وكذلك الخاتم الذي يضعه على أصبعه الصغير على شكل جمجمة
الطبيب الفرنسي ديديه راؤول، حيّر فرنسا والعالم “).
ما ذكره الكاتب عمير ، هو أكبر معطى من معطيات الراهن ، و البشرية تعلق أمل استمرارها على ما سيخرج من المخابر ، انتظارا يشبه انتظار الدخان الأبيض في ساحة الفاتيكان .
موضوعيا يمكن بالرغم من كل ما يمكن قوله ، التأكيد على حقيقة بقاء قدرا من الالتزام الدراسي المنضبط و المحافظ على ما تبقى من شرف في الجامعة الجزائرية ، هو تخصص العلوم الطبية و معها العلوم الدقيقة .كما أن الأطباء كما يقول جابي :” حافظوا على مهنية كبيرة، وإصرار على أداء أدوارهم العلمية المطلوبة منهم، داخل مجتمع عبّر على الدوام عن تقدير كبير لمهنة الحكيم، تعلق الأمر بالطبيب في المستشفى العمومي، أو العيادة الخاصة، رغم ما طفا على السطح من علاقة متوترة في السنوات الأخيرة“.
و المنتظر أن يتم تصحيح الاختلال و إعادة الاعتبار لمنظومة صحية رفعت عالميا أسهم بلد ككوبا .
و كما سجل الباحث جابي :
“أن معركة كورونا، بكل تداعيتها الوطنية والدولية، يمكن أن تكون بداية القطيعة مع هذا التسيير البالي للنخب، الذي ميز النظام السياسي الجزائري، على الدوام. فهل ستستغل هذه الفرصة للانطلاق في سياسة جديدة، ليس في مجال تسيير النخب، بل في إصلاح جذري لكل مؤسسات الدولة“.
محمد بن زيان