إن لم تُصَب في الواقع بفيروس “كورونا” القاتل فإنك ستكون ضحية كاميرا خفية في الشارع، وسيُشاهدك الملايين ضمن برنامج يُبثّ في شهر رمضان المبارك إن كتب اللهُ لك ولهم عمراً.
ففي الجزائر، تفاجأ مواطنون من صور متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، لفريق طبّي يُجوب شوارع مدينة وهران غر البلاد، لفحص بعض المارة من فيروس “كورونا”، ليتبيّن أن هؤلاء تقمّصوا ذلك الدور وهم في الحقيقة صحافيون يعملون لإحدى القنوات التلفزيونية الخاصة، ويقومون بتصوير برنامج رمضاني.
وانتشرت تلك الصور والفيديوهات على نطاق واسع، مُخلّفة حالة من السخط والاستياء الشعبي، لما أسماه ناشطون بـ “الاستغلال البشع” لظرف صحي عالمي تمرُ به البشرية، فتك على إثره الآلاف، ويتطلب التعامل معه بدرجة عالية من الوعي، وأخذ كل تدابير الحيطة لأن لا دواء له لحد الآن
موجة استنكار
وكتبت الناشطة السياسية المستقلة فتيحة ميغلي “ما تقُوم بها إحدى القنوات من تصوير برنامج “كاميرا خفية” عن كورونا، تحضيراً لبث حصة في شهر رمضان، وكأن صاحب هذه القناة متأكد أننا سنعيش إلى ذلك الحين، هو سلوك مرفوض في هذا الوقت بالذات، غير أخلاقي ولا إنساني”.
ودعت المتحدثة في تدوينة لها إلى “معاقبة الفاعلين، لأنه استغلال للأزمة لأجل المصالح، وقد يتسبب بنشر الهلع والذعر، وقد يؤدي بالسكتة القلبية لأشخاص مرضى يُعانون أمراضاً مزمنة”، مضيفة “البلاد في خطر والعالم في حالة استنفار والبعض لم يعِ بعد خطورة الوضع، ويتخذ منه موضوعاً للسخرية والاستهزاء”.
قلة وعي
كذلك، وصف القانوني والناشط الحقوقي عبد الغني بادي هذا السلوك بـ “قلة الوعي الواضحة لدى البعض، الذين لم يشعروا بخطر الوباء الذي قهر أعتى الدول وجعلها أمام قوافل من الموتى يومياً”.
وأضاف “وباء جعل منه البعض فرصة للعرض التجاري مثل الكاميرا الخفية، التي تُعبر عن انعدام القيم الإنسانية لدى من قاموا بها، وعن غياب الرقابة من قبل الجهات الوصية حول نوعية الأعمال التي من المفروض أن تراعي ضوابط أخلاقية”.
من جهته، يعتقد حسان مرابط، صحافي مختص في الشؤون الثقافية والفنية، “أن اللجوء إلى هذا النوع من الإنتاجات التلفزيونية أمر استعجالي لا يخدم الإعلام، بل يُدرج ضمن خانة الابتذال والوقاحة وعدم الاحترافية”.
وأضاف “أعيب على القناة التي اقترحت تقديم كاميرا خفية حول فيروس كورونا من منطلق إيهام بعض المارة أن هذا الشخص مصاب بفيروس كورونا (كوفيد – 19) من أجل ترهيبهم وتخويفهم وإضحاكهم في الوقت نفسه، لذلك ما فعلته يمكن اعتباره جريمة”.
وبحسب مرابط، “كان من الأجدر أن تنتج برامج توعوية وتحسيسية في كيفية التعامل ومحاربة هذا الوباء”، داعياً سلطة ضبط السمعي البصري إلى “محاربة أشكال كهذه من الأعمال التلفزيونية وبرامج الكاميرا الخفية، فقد كانت هناك تجارب سابقة لبرامج مماثلة روجت للعنف والتطرف”.
تحذير
وأمام حملة الانتقادات، ندّدت “سلطة ضبط السمعي البصري”، وهي هيئة حكومية تُراقب عمل القنوات الخاصة، “بشدة ببعض الأعمال اللامسؤولة التي تُحاول استغلال الوضع الحساس من أجل الربح المادي، كتصوير برنامج فكاهي”.
وقال بيان السلطة “ندعو كل القنوات التلفزيونية إلى ضرورة التمسك بالمهنية والتقيد بأخلاقيات المهنة في معالجتها لهذه الأزمة، سعياً منها لضمان تغطية مهنية وعقلانية لمثل هذه الأحداث”.
ودعت الجهة نفسها العاملين في قطاع السمعي البصري إلى “تفادي ما من شأنه الإحباط أو المس بمعنويات المواطنين وإشاعة عدم الثقة بين مؤسسات الدولة والمواطنين، وتفادي نشر الخطابات التهويلية والترويعية، التي تُذكي الرعب بين المواطنين”.
وليست المرة الأولى التي يُواجه فيها ملاك القنوات التلفزيونية الخاصة لوم المجتمع، إذ خلفت برامج “الكاميرا الخفية” ردود فعل غاضبة ومستنكرة في الأعوام الماضية، بسبب محتوياتها التي “طغت عليها البذاءة والتفاهة تحت غطاء ترفيهي”.
أعراس في زمن الموت
وليست الكاميرا الخفية وحدها التي أثارت الاستياء في الجزائر، إذ شمل استمرار بعض العائلات وتعمدها لعقود القران في ظرف صحي حساس تمر به البلاد، ما اضطر تدخل الشرطة وهو ما حصل في مدينة عنابة على بعد 600 كيلومتر شرق الجزائر العاصمة، حيث داهمت مصالح الأمن قاعة أفراح وأنهت مراسيمه لانتهاك تدابير مكافحة الفيروس، قبل وضع العروسين في الحجر الصحي.
كما أوقفت السلطات يوم الجمعة 20 مارس موكباً لعروسين من مدينة البليدة قرب العاصمة الجزائرية (التي تعتبر بؤرة الفيروس) كان متجهاً إلى مدينة بشار جنوب البلاد، واقتادت مصالح الدرك (التابعة للجيش) الموكب إلى الحجر الصحي مع وضع العروسين في فندق في المدينة للخضوع للحجر لمدة 14 يوماً.
وفي السياق، أبرز الحقوقي عبد الغني بادي أن “استمرار الولائم والأعراس هي الأخرى أعطت الصورة الحقيقية على أن هناك من هم غير يقظين تماماً بالخطر الحقيقي للوباء الفتاك، وعلى سلطة الدولة فرض منطق أكثر حزم وصرامة مع التجمعات بكل أنواعها. ونخشى أن تصبح الجزائر ووهان أفريقيا إذا واصلنا بهذه الذهنية التعنتية غير الواعية وغير المسؤولة”.
وكانت الجزائر قد أمرت ضمن إجراءات وقائية بإغلاق قاعات الحفلات والمقاهي والمطاعم كافة… وعلقت حركة الملاحة البحرية والجوية والبرية، وذلك مع ارتفاع نسبة الوفيات والإصابات المؤكدة والتي اقتربت من الـ 100.