أثير الجدل حول الصيام منذ أيام ، و تكاثرت الآراء ، و حسما لذلك أصدرت لجنة البحوث الفقهية بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف تقريرا فاصلا و حاسما في الأمر ، و ذكرت في بيانها أنه تؤكد ذلك بالرجوع إلى ” نخبة من المختصين فى الفروع الطبية وبخاصة الفيروسات والعدوى، ومنظمة الصحة العالمية “.و ورد في تقريرها :” على عدم وجود دليل علمى على وجود ارتباط بين الصيام والإصابة بالفيروس، فإن أحكام الصيام تبقى على حالها من وجوب الصيام على المسلمين إلا أصحاب الأعذار المرخصة لهم في الإفطار، وأنه لا رخصة فى الإفطار بسب الخوف من الإصابة “.
و لقد نشر الكاتب و الوزير الأسبق نورالدين بوكروح مقالا مطولا انتصر فيه لطرح إسقاط أو تأجيل الصيام .
و قال :” إذا لم يتمكن،,,, (أتباع الحضارات-الأديان الأربعة الأخرى) من القضاء على فيروس كوفيد 19 في غضون خمس عشر يومًا، فإن العلم الديني القديم “الصالح لكل زمان و مكان” سيواجه إحراجا خطيرا: إما الاضطرار إلى تعليق صيام هذا العام، لأن خواء الجسم يزيد من قابليته لفتك الفيروس و يحفز إذاً انتشاره، و إما تثبيت الصيام و بالتالي تحدى خطر تفشّ أوسع له في صفوف المسلمين وغيرهم على حد سواء، لأن هؤلاء يعيشون جنبا لجنب في كل مكان تقريبًا. ما الذي يجب أن يمثل الأولوية؟ حياة عدد غير محدد من البشر أم فريضة دينية؟
في عهد إسلام الفتوحات، عندما لم يكن العلم الديني موجودا بعد، واجه الخليفة عمر بن الخطاب حالة مشابهة للوضع الذي نعيشه اليوم، و هي تفشي الطاعون في سوريا أين كان يوجد الجيش الذي أرسله لفتحها هي و فلسطين. و في مواجهة الخسائر التي خلفها الوباء في صفوفه، و هي تقارب حسب المؤرخين 25000 قتيل من الجنود الذين أصيبوا به، أمر الخليفة بالانسحاب من المدينة و وضعها تحت الحجر الصحي. لكن قراره لقي اعتراض قائد جيشه (أبو عبيدة) الذي رأى في ذلك “هروبا من قدر الله”. لكن عمر رد عليه: ” نفرّ من قدر الله إلى قدر الله “. يضل هذا الموقف من أشهر الصور التي توضح الجدال بين “القدريين” و “الجبريين” في فجر الإسلام.
رسولنا صلى الله عليه و سلم هو صاحب واحدة من أجمل العبارات الإنسانية في كل العصور: إذا قامت الساعةُ وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها ” هذا هو الاختلاف الذي أردت أن أوضحه بين الإسلام الأصلي، وإسلام الانحطاط الذي حاكه و يحافظ عليه العلم الديني بشقيه السني والشيعي، و اللذان يوجد كلاهما في الخدمة المستمرة للاستبداد”.
كلامه أثار جدلا و نقاشا فكتب الصحفي عثمان لحياني ردا بعنوان ” ساعة مغشوشة”و قال :” يختار بوكروح دائما التوقيت الخطأ ليلقي شيئا من الجدل وبما ليس له وفيه ، مرة في الفكر اذ يزعم صلته بفكر بن نبي ، ومرة في السياسة إذ يخوض حروبا بالوكالة ، ومرة في الدين إذ قال بضرورة إعادة ترتيب سور القرآن” .
و قال :” يفترض من كاتب أن يطرح أسئلة طلائعية و أكثر قيمة ، لأن سؤال الصوم والمرض هو مجرد اختبار لتلاميذ الصف الابتدائي” .
أما الباحث الدكتور بومدين بوزيد فكتب :” تميّز النّقد الحداثي أو كما يحلوا أهله أن يُسمّوه “الفكر التنويري” بالصدامية في مراحل مع التيارات الدينية والجماعات الإسلامية، ولذلك كان فكرا نضالياً هاجسه الانتصار على ما أسماه “الظلامية” وليس القصد من ذلك الجانب العلمي – الموضوعي الهادئ، وطبيعي أن تكون الكتابة الحداثية متلبّسة بالرغبة في التخلص من “سُلطة النص” أي سلطة الفُهومات البشرية التي سادت منذ قرون، غير أن الاخفاق أنّنا أمام “حداثة مُؤدلجة” تحوّلت عند بعضهم إلى “إيمان وهمي بعقلانية إما منقولة أو مُبتسرة مُشوّهة””.ووصف هذه الطروحات ب “سلفية حداثية”.
و بعد الردود كتب بوكروح ردا بدأه :” في أرض الإسلام، وفي أيام فيروس كورونا التي نعيشها هذه، يمكن لشيء آخر أن ينتشر أسرع و أخطر ممّا نعرفه عن الفيروس الشرير، إنه الخبر الزائف الذي بُلّغ لعامة المسلمين في المدينة و في العالم بأن “مفتيا” وهميا قد طلب منهم ألّا يصوموا رمضان هذا العام حفاظا على حياتهم وحياة غير المسلمين الذين قد يكونون على احتكاك بهم..
أقل من أربع وعشرين ساعة بعد نشري بتاريخ الثامن من هذا الشهر لمقال على صفحتي في الفايسبوك، موضوعه و عنوانه “فيروس كورونا والحضارات” ؛ وجدت نفسي و لا أزال وسط طوفان من الانتقادات والشتائم والتهديدات بالقتل التي تأتيني من بلدي و كذلك من الخارج، بحجة كوني انتهكت حرمة الدين من خلال الدعوة إلى تعليق الالتزام الديني بالصيام بسبب خطر كوفيد 19. فكرة ليست بالحمقاء فقط بل هي كذلك غير مسبوقة في التاريخ الألفي لدين الإسلام”.
من الإنصاف مثل ما يتم انتقاد اقتحام بوناطيرو لمجال ليس من اختصاصه يوجه الانتقاد لبوكروح الذي اقتحم مجال فقهي له أهله.
و موضوع الصيام من اختصاص أطباء و فقهاء ، أطباء يؤكدون طبيا تأثير أو عدم تأثير الصيام في خضم تمدد الفيروس ، و فقهاء يصدرون الرأي الفقهي المبني على تقرير أهل الخبرة الطبية .
محمد بن زيان