الشّاعر نور الدين بوعباس… الشاعر مرآة أمّته وهو يعكس حالها إن رقياً أو انحطاطاً
حاوره / أ . لخضر . بن يوسف
شاعر فذّ ، تخضع المفردات لأحاسيسه الجيّاشة ، فتنتظم أجمل القصائد وأكثرها شاعريّة ، معجم مفردات ثريّ قائم بذاته ، تتناثر الكلمات منه كورود شاردة من حطام الحياة ، تلامس عباراته شغاف القلب، فتبكي العيون، وتنزف القلوب.
نورالدين بوعباس من قرية العامري المجاهدة _ بلدية لغروس _ دائرة فوغالة _ ولاية بسكرة ، يقول عنه القرّاء شاعر لكنّه دائما ما يقول : شاعرا يحاول دوما أن يكون ، بشخصيته البسيطة القريبة جدا من البسطاء ذوي الحاجة إلى من ينقل ذاك الحس المتغلغل في عمق مواطن كتمانهم بأي شكل من الأشكال الفنية و قد وجد في موهبته الشعرية ما يحقّق ذلك .
كيف كانت بدايتك مع كتابة القصيدة ، ومن هو الشخص الذي آمن بموهبتك في الكتابة منذ البداية ، ومتى كان ذلك ؟
بدايتي كانت بالخواطر كبداية أي شاعر ، انطلاقا من خربشات طفولية عفوية إلى أن صرت أقلد نوعا ما الشعر العمودي في نظمه دون وزن _ طبعا _ تحديدا عندما كنت أدرس في الصف التاسع سنة 1999 و ما شجعني على استمرارية الكتابة آنذاك هو أستاذي المحترم أستاذ اللغة العربية بنصائحه القيمة و حثي على المثابرة و المواصلة .
برأيك متى وكيف يصبح الإنسان شاعراً ، هل الشعر موهبة ، وراثة ، أم يأتي الشعر على خلفية المعاناة ، أم أن هناك أمورا أخرى هي التي تصنع الشاعر؟
يصبح الإنسان شاعرا بالقراءة و المطالعة لشعراء كبار من عصور مختلفة من الجاهلي إلى العصر الحالي _ بالمستطاع طبعا _ فكثرة القراءة تهب الشاعر زادا لغويا يمكنه من بلوغ التمكّن ، إضافة إلى الإلهام ، فبدون الإلهام تكون القصيدة جافة خالية من الشاعرية منجذبة نحو الصناعة الشعرية و هذا انطلاقا من حسن و تلقينا غير مقبول و أيضا التدريب ، و هذه خطوة جد مهمة ، فالاستمرارية تكسب الشاعر تطويعا للكلمات و سلاستها و صياغتها على نحو أصح رنان عند المتلقي ، كما يلعب أيضا الإلقاء دورا لا يقل أهمية على ما سبقه من خطوات ، لأن الإلقاء يترجم ما جاء في القصيدة بحركات و ايماءات و ملامح تؤثر في المتلقي ، و هنا تصل القصيدة إلى قلب المتلقي و تلجه دون إذن .
الشعر موهبة خلاقة نابعة من بيئة الشاعر أو بتعبير آخر ، الشاعر من لون بيئته ، فإن كانت بيئته غزلية فتجده يتغزل و إن كانت بيئته تعاني فتجده بطبيعة الحال يرثي ملقٍ كامل أحزانه شعرا ،….. إلخ،
ماذا تعني لك الكتابة ، وأيّة تخوم تمكنك الكتابة من ارتيادها؟
الكتابة تعني لي ذاك المتنفس و التعبير الذي ينطق شعرا بكل ما يختلج صدري و ما أشعر به اتجاه شيء معين ، و الذي بدوره يبعث الإلهام لتنبثق الكلمات الشاعرية الحس .
أمّا عن التّخوم و تمكني فأنا راضٍ بما أكتبه من قصائد نوعا ما ، لذلك أصدرت ديواني ، أما عن الرضا المطلق سأقول إذا بُلغَ ، تلاشى الحلم بين براثنه الغرور .
صدر لك كتاب شعري موسوم بـ ” اختلاجات شاعر ” كتبتَ من خلاله مختلف أنواع الشعر، بدءاً من العمودي ومروراً بالتفعيلة وصولاً إلى النثر، هل يمكن لشكل الشعر ونوعه أن يحدّد ذات الإنسان الشاعر؟
إذا لُقّب الشاعر شاعرا فليس عبثا لأن الشاعرية تتقاسم و الدّم شرايينه انطلاقا من الموهبة التي تتملّكه.
حدثنا أكثر عن ديوانك ، موضوعاته ، سماته الفنية والأدبية ، وبناه الأسلوبية ؟
مواضيع ديواني ” اختلاجات شاعر ” مختلفة و متنوعة فمرّة أحدّثني في قصيدة و مرة أُسهب في إبراز معاناة شخص أو أُمّة ، و تارة أخرى واصفا ما تراه العين و تبصره البصيرة .
أمّاعنالسماتالفنيةوالأدبيةفجلاستخداميهولغةعربيةبسيطةوفصيحةلإيصالمعنىماأكتبإلىأكبرعددممكنمنالقرّاءالذّوّاقينباستثناءبعضالقصائدالتيتعمّدتفيهاالإبهام
أما عن الأسلوب الذي اتبعته فأذكر على سبيل المثال الأسلوب التحليلي لقضية اجتماعية أو سياسية ما ، أثارت ليَ الإلهام ليبوح شعرا و كذا الحال مع الأسلوب الواقعي .
لمن يتوجه الكاتب بكتاباته ، أم هي ذات طابع معيّن؟
يتوجه الكاتب عموما بكتابته إلى عامة الشرائح المجتمعية فأذكر على سبيل المثال : إبراز الكاتب ذاتيته التي يمكن إسقاطها على ذاتية أخرى تتوافق مع ما يمرّ به من تجربة حياتية و يمكن أن يتوجه كذلك إلى ذاك المسؤول من خلال نقده واقع ميدان تحت مسؤوليته و سلطته ….. إلخ
ماذا يُستشفُّ من خلال كتاباتك ، وعلى ما تنطوي حروفها وكلماتها؟
من خلال كتاباتي يُستشفّ ذاك الجرح الغائر بين ثنايا حروفي و كلماتي ، جرحٌ لذاتية متعبة ، جرح لشريحة غضة ، جرح لشعب مضطهد ، هكذا جل كتاباتي و من النادر أن أكتب غير ما ذكرت لأن الدافع الوحيد الذي يحثنا على ذلك هو ضمير الواجب .
كيف يُحدِّد الكاتب نسائج موضوعه ؟
يحدّدها من خلال ثقافته المكتسبة و تمكنه الأدبي الذي يُضفي قوّة لما يكتب و مدى تأثر القراء بمواضيعه .
بين البعد المرتجى وحقائق الواقع ، من يُلهم الكاتب؟
عنّي أنا تحديدا ، أغرق في تفاصيل الحنين و بينها وبين ما أنا عليه اختلاجات شاعر .
نموذج نصّي من إبداعاتك الكتابيّة؟
أَأَنَــا ؟
مــا عــادَ غيمِـي يحملُ المطرَ
فالغيمُ في مجرَى الرّيـاحِ جرَى
قُـلْ يــا أنيسَ الصّمــتِ يــا أملًا
أَتَـرَىالأمـانـيَبالرّؤَىقـدَرَا؟
أَتَرَى الّذِي منْ دسّ لي خدعا
حــــبٌّأراهُاسـتـعــذبَالـكـدرَا
أَأَنَــا الّــذِي خــانـتْ أنــاهُ أنَــــا
حـينَالخريـفُلحزنِـهِنـثــرَا؟
حيـنَ اقتفَى جرح النّوَى أثـري
قـدْقَـدَّليبالكـرهِمـــاسـتــرَا
إنْ قلـتُ قـدْ خـانتْ فـذَا خطئِي
إنِّـي وثقـتُ بزيـفِ مـنْ غـدرَا
فالآنَ بعــدَ اليــومِ لا ثــقــــــةٌ
إنِّ اكتويـــتُ و قلبـيَ انكسـرَا
كلمة أخيرة للقراء والجريدة
أشكر جريدة ” الديوان ” والأستاذ الصحفي المتميز ” بن يوسف لخضر ” على هذا الحوار الشيق ، وأتمنى ن يحضر إصداري بصدى طيب على جميع قرائي الأعزاء ومحبي الحرف .