وهران تحيي ذكرى رحيل ملك الأغنية العاطفية الشاب حسني
بلغ تراثه الغنائي عشرات الألبومات ومئات الأغاني،..

يصادف يوم غدا الإثنين الذكرى الـ 31 لرحيل عندليب أغنية الراي الجزائرية الشاب حسني، الذي اغتيل في الـ 29 سبتمبر سنة 1994 بأيادي الغدر.
الشاب حسني غنّى للحب وللأمل في زمن الموت، تحدّى “الإرهاب” وصنع الفرحة وسط الخراب، وبعد بمرور 31سنة على رحيله، لا يزال حيّاً بين عشّاقه خاصة وعند الجزائريين عامة.
وفي هذا السياق أحيت دار الثقافة زدور إبراهيم بوهران السبت ذكرى رحيل الشاب حسني بتنشيط ندوة فكرية بعنوان “حسني بين الأغنية الرايوية والتراث الشعبي“
وفي الذكرى الواحدة والثلاثون لرحيل الفنان الأسطورة الشاب حسني شقرون، الذي غاب جسده يوم 29 سبتمبر 1994، لكن بقي صوته حاضرًا في وجدان الجزائريين وكل عشّاق الفن الراقي.
المناسبة التي عرفت أجواء امتزج فيها الفن بالوفاء، عرفت تكريم بعض الأسماء الفنية و الثقافية و الشعراء المعروفين ، على غرار الدكتور «نور الدين ڨفايطي» ، و مدير حقوق المؤلف و الحقوق المجاورة سابقاً الأستاذ «الهاشمي» ، المايسترو «قويدر بركان» ، و الموسيقي المعروف « بلمو » ، و الشاعر المنشط « كريم » ، و مدير و إطارات دار الثقافة ( إبراهيم زدور ) ، و أسماء فنية و إعلامية معروفة بولاية وهران و الغرب الجزائري ، و بحضور ضيوف من ولايات مستغانم و عين تيموشنت و سيدي بلعباس و معسكر و الجزائر العاصمة..
الذكرى شهدت مداخلات لأصدقاء المرحوم « حسني » من فنانين و موسيقيين و إداريين في الحقل الثقافي ، كما أحياها منشدون من وهران و فرقة العيساوة لزاوية العيساوية بمستغانم ..
واكد المتدخلون ان حسني كان وسيبقلى أيقونة الطرب العاطفي و”ملك الأغنية الرايوية الحزينة”، إذ استطاع في فترة وجيزة أن يضع بصمته الخاصة، ويمنح الشباب متنفسًا للتعبير عن مشاعرهم وأحلامهم.
ويعد الشاب حسني، رفقة زملائه الشاب خالد ورشيد طه والشاب مامي، من أوائل مؤسسي موسيقى الراي الجزائرية في صيغتها الحداثية التي أحدثت ثورة كبرى في الذائقة العامة، واخترقت المحلية لتصل إلى العالم، لا سيما خلال حقبتي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.
وبدأ الغناء عام 1986 حينما أطلق ألبوم “البراكة”، الذي حقق مبيعات غير مسبوقة، ويعد ألبوم “البيضا” أشهر ألبوماته؛ وحقق مبيعات مليونية.
وارتبطت أغنيات الشاب حسني في أواخر أيامه بحياته الشخصية؛ إذ كانت تتناول علاقته بابنه الوحيد “عبدالله” الذي حُرم منه كثيراً بسبب انفصاله عن زوجته، وبلغ تراثه الغنائي عشرات الألبومات ومئات الأغاني، رغم موته المفجع المبكر للغاية.
يعتبر الراحل حسني شقرون الذي ولد في 1968 بوهران عندليب أغنية الراي بدون منازع حيث استطاع أن يتألق في سماء الأغنية الراوية العاطفية و أن يصدح بروائع فنية لا يزال يرددها محبو هذا الطابع الفني إلى غاية اليوم وهو النجاح الذي يفسر كونها كانت مستمدة من الحياة اليومية للشباب.
الشاب حسني، هذا اللقب الذي لا يزال يلازم أصحابه حتّى ولو تقدمّوا في السنّ، لكن حسني توفي حقيقة وهو شاب لا يتجاوز الـ 26 من العمر، كانت 7 سنوات كفيلة لأن يطبق سيطرته على أغنية الراي العاطفية ويحشد وراءه مئات الآلاف بل ملايين الشباب الذين يحفظون أغانيه عن ظهر قلب.
تمكن حسني في ظرف سبع سنوات من أن يقدّم ما لم يقدمه فنانون امتهنوا الغناء لأكثر من ربع قرن، ملك قلوب الشباب وقاوم الإرهاب بفنّه وبإحساسه وتحدّى التهديد والرصاص في زمن الموت، فلم تمنعه “الحواجز المزيفة” التي أقامتها الجماعات المسلّحة في الطرقات من إقامة الحفلات ولا الغناء في أعراس الجزائريين ولم تمنعه الأحزمة الناسفة والسيارات المفخّخة من إحياء السهرات في الساحات العامّة، هكذا هو حسني الذي ارتبط بأغاني “السونتيمونتال” التي تردّد صدى صوتها في كل مكان.
كان حسني يستلهم أغانيه من الواقع، فكادت أغانيه تلامس كل مشاكل الشباب العاطفية بدقّة وبكثير من التفاصيل، وكأنه عاش كلّ حالات الحب والحزن دفعة واحدة، كان من أشهر ما غنى “البيضا مون أمور”، “طال غيابك يا غزالي”، وأبدع في “راني نادم على ليام” و”كامل النساء مايجونيش كيما لي بغاها قلبي”، “ما تبكيش قولي دا مكتوبي”، “عمري عمري”، “قرقشقني هاد الزين”، “مازال كاين l’espoir”، إضافة إلى أغان أخرى لا يزال وقعها يسمع كلّما تجلّى حسني بصوره على “فيسبوك” أو “تويتر” أو “يوتوب“.
حسني شكّل استثناء، فكان قطعة أساسية من بين الشخصيات المؤثّرة في الجزائر خلال الخمسين سنة الأخيرة، بصوته العذب وبروحه الطيبة وبتواضعه وتعاطفه مع الغلابى من المجتمع والذين كان يفرد لهم أغاني خاصة، منها أغنية “داك المحروم عايش مغبون بين صحابه لا دار لا أم ..” وغنّى لقوافل الراغبين في الهجرة فقال: “أعطوني الفيزا”، وقد بيع من ألبومه “الفيزا” عند صدوره في 1992 أكثر من 250 ألف نسخة، وحقق ألبوم “البيضاء مون أمور” (120 مليون نسخة) و”البراكة” (800 ألف نسخة)، وغيرها من الألبومات التي حركت مشاعر الشباب وأنستهم يوميات القتل والذبح في سنوات التسعينيات.
قبل الاغتيال، تنبّأ حسني بوفاته، وخلّد ذلك في أغنيتين حزينتين بعد الإشاعات التي كانت تعمّ وهران حول وفاته.
فقال حسني في أغنية “قالوا حسني مات” لمن أرادوا نشر الفاجعة وسط أهله: “لميمة دهشت وبكات قتلتوني وأنا حي، وصلتوني للمقبرة وبكلامهكم درتو فيا الهدرة، الناس ولات رايحة وجاية يادرا بصح حسني مات..”. وقال في الثانية “الموت علينا قاع، نموت أنا سبق أه مّا، راني عليكم، جرحتولي مّا واسمحيلي ها مّا..”.
حسني لم يمت في قلوب الملايين من الجزائريين، مواطنين بسطاء أو نجوم، كل سنة تحتفل المؤسّسات الثقافية بذكرى اغتياله بمشاركة عشرات الفنانين.
حسني لم يمت، ولكنّه ترك الحب يتيماً من بعده.
ك/ل