شكلت “محرقة الأغواط” التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في حق الشعب الجزائري الأعزل في الرابع ديسمبر 1852, واحدة من “أبشع الجرائم ضد الإنسانية”, حسب ما أكده مشاركون في ندوة تاريخية نظمت, يوم الخميس بالجزائر العاصمة, إحياء للذكرى الـ172 لهذه المجزرة.
وخلال هذه الندوة الموسومة بـ”محرقة الأغواط جريمة تأبى النسيان”, نظمها المركز الوطني للدراسات والبحث في المقاومة الشعبية والحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر سنة 1954, أكد الباحث والأستاذ المحاضر بالمركز الجامعي لتيبازة, دحمان تواتي, أنه “لا يوجد أبشع من الاستعمار الفرنسي الذي ارتكب جرائم لا تحصى في حق الشعب الجزائري منذ أن وطأت أقدامه أرض الجزائر”, لافتا إلى أن محرقة الأغواط التي ارتكبها في 4 ديسمبر 1852 “تدخل في حرب الإبادة التي انتهجها ضمن سياسته الاستعمارية البغيضة”.
وتطرق الأستاذ تواتي إلى “السياق التاريخي الذي وقعت فيه هذه المحرقة, عندما وضع الاحتلال الفرنسي نصب أعينه التوغل نحو الجنوب الجزائري الكبير في إطار سياسته التوسعية داخل البلاد, بعد أن أجبر الأمير عبد القادر على التوجه غربا”.
ولفت إلى أن “الموقع الجغرافي لهذه المدينة جعلها منطقة استراتيجية كونها بوابة للصحراء ومركزا للتجارة, مما دفع فرنسا إلى فرض حصار عليها بعد أن عززت قواتها وجندتها لهذا الهدف الدنيء, قبل أن تقوم باقتحام المدينة وتواجه مقاومة شرسة من سكانها مدعومين بقبائل الجنوب”.
وفي ذات الصدد, تطرق مدير المركز, حسين عبد الستار, إلى “الإنزال الفرنسي الكبير في الأغواط قبل الرابع ديسمبر, والذي يعكس الرغبة الملحة لفرنسا في التوسع منذ سنة 1844, حينما وصلت شمال الصحراء (بسكرة) في محاولة للتوغل نحو الجنوب”, مشيرا إلى “حجم السلاح الذي سخرته لهذه المحرقة التي انتهت باستشهاد ثلثي السكان بطريقة بشعة”.
واستذكر بالمناسبة بطولات القائد بن ناصر بن شهرة, الذي قاد المقاومة الشعبية في الجنوب الشرقي, والذي حارب الاحتلال الفرنسي في محاولة ل”إجهاض مخططه بالسيطرة على الصحراء الجزائرية, مثلما فعل الأمير عبد القادر”.
وعرفت الندوة عرض شريط وثائقي يحاكي محرقة الأغواط أو “هولوكوست الأغواط” أو “جريمة الكلوروفورم” باعتبار أنها أول جريمة في العالم تستخدم فيها الأسلحة الكيميائية (غاز الكلوروفورم), أوضح فيه المتخصص في فن الحروب والمعارك, حسان صحبي, أن هذه المحرقة “أثبتت بشاعة المستعمر”, حيث تم خلالها “إبادة أغلب السكان وحرق الأسرى أحياء بعد تكبيلهم ووضعهم في أكياس, كما تم رمي بعض السكان في الآبار”.
ولفت إلى أن “العدد الحقيقي للضحايا ليس معروفا إلى غاية الآن, خصوصا وأن فرنسا حرصت على تدوين جريمتها في تقارير سرية”, مبرزا ضرورة “الحفاظ على التاريخ حتى لا يقال للأجيال القادمة أن الجزائر جاءت من العدم, وتوثيق كل مراحل الاستعمار من المقاومة إلى الثورة والاستقلال”.