الرهان يتجاوز الراهن ، الرهان يتصل بالمصير ، و الكل يتحدث عن عالم ما بعد كورونا..
الكل يتحدث عن تحول شامل ستحدثه الجائحة في اللغة و السلوك ، و في أشكال العلاقات ، و في طرق التعاطي و التعامل .و مربط الفرس هو ما يتصل بنا نحن .
بلدنا قدرها مرتبط بموقعها ، موقع هو المفتاح لقراءة و فهم الأحداث منذ ما قبل التاريخ الميلادي إلى الآن .و موقعنا الاستراتيجي يجعلنا باستمرار في قلئب الصراعات بين المحاور المتنافسة على الريادية و التمدد ، و على إعادة صياغات الخرائط الجيوـ سياسية .
فمثلا نتوقف عند وضعين ،شمالا أوربا و شرقا المدار الشرق ـ أوسطي ،
عن الشمال يكتب الكاتب حسين الزاوي :”تطرح التطورات المتسارعة بشأن الجائحة غير المسبوقة التي يشهدها العالم، أسئلة جدية في ما يخص مستقبل الاتحاد الأوروبي في مرحلة ما بعد نهاية هذه الأزمة الصحية. صحيح أن العالم ما بعد الفيروس التاجي سيكون مختلفاً عما قبله بالنسبة لكل الدول في العالم، لكن المشهد في القارة العجوز سيكون أكثر إثارة للاهتمام نتيجة لأسباب عديدة، في مقدمتها تحوّل أوروبا إلى بؤرة رئيسية لتفشي المرض بداية من 13 مارس الماضي، وسقوط العدد الأكبر من الضحايا في بلدانها، وتصاعد الخلافات بين دول الاتحاد خاصة بين شمال القارة وجنوبها في ما يتعلق بالإجراءات المالية الواجب اتخاذها، من أجل إنقاذ دول باتت تقف على حافة الانهيار مثل إيطاليا وإسبانيا.
ويبدو الحديث في هذا السياق، عن أزمة حقيقية داخل الاتحاد الأوروبي من باب تحصيل الحاصل، فبعد أن كانت تسعى بروكسل إلى إعادة رصِّ صفوفها من أجل تجاوز تداعيات «بريكست» البريطاني، جاءت الجائحة لتدفع بالوضعية نحو مزيد من التعقيد، ولتجعل الاتفاقيات الظرفية التي تُبرم أثناء اجتماعات قادة الاتحاد مجرد مسكنات لأزمة بنيوية عميقة ترتبط بتصاعد الخلافات بين دول الشمال، بقيادة ألمانيا وهولندا، ودول الجنوب بقيادة فرنسا وإيطاليا، بشأن الفلسفة الاقتصادية للاتحاد، فضلاً عن الخلاف التقليدي الموجود بين شرق القارة وغربها، والذي يتجاوز الأسباب الاقتصادية نحو مبررات ثقافية وحضارية أكثر تعقيداً .
لقد أسهمت الجائحة في تعرية الأوضاع في أوروبا بشكل غير مسبوق، واتضح بداية من الأسابيع الأولى من تفشي الفيروس القاتل، أن مؤسسات الاتحاد هشة وغير قادرة على التصدي للخلافات المتنامية بين الدول الأعضاء “.
و “استطاع الاتحاد الأوروبي في مراحل سابقة، أن يتجاوز مشكلة ديون اليونان سنة 2010 التي كادت أن تعصف بوحدته، بسبب تصلب مواقف المستشارة الألمانية بشأن إشكالية عجز الميزانية، وتمكن أيضاً من تفكيك القنبلة الموقوتة التي كادت أن تنفجر بين أيدي دوله بشأن أزمة المهاجرين التي اتخذت أبعاداً خطرة بين فرنسا وإيطاليا، لاسيما وأن إيطاليا وجدت نفسها خلال السنوات الماضية، تواجه لوحدها أزمة غير مسبوقة نتيجة تدفق المهاجرين إلى أراضيها، بيد أن الوضع الآن يبدو مختلفاً وأكثر خطورة “.
و يختم كلامه :”صفوة القول إن الاتحاد الأوروبي على الرغم من كل المحاولات الترقيعية الهادفة إلى إنقاذه من التفكك، فإنه وبعد تجربة «بريكست»، وفاجعة الجائحة، لن يتمكن من مواصلة مسيرته الإدماجية، في ظرف دولي عاصف بات يتحدث فيه قادة دول أوروبية عن ضرورة استعادة السيادة الاقتصادية والصحية لدولهم؛ لأن الاتحاد بالنسبة لهم هو خيار جيوسياسي لا وجودي، خاصة في هذه المرحلة التي تجلت فيها أنانية الدول بشكل قبيح ورفعت فيها دول كثيرة، جهاراً نهاراً، شعار: «أنا ومن بعدي الطوفان “.
و لا يمكن أن نستوعب ما يتصل بمصيرنا ، بدون اعتبار كل المقومات و العوامل ، و المتوسط يعتبر محور و نقطة ارتكاز في صياغة التاريخ و المصير الجزائريين ، لهذا ما يتصل بأوربا لها امتدادات و تدااعيات .
و شرقا يكتب الكاتب الصحفي المصري عبد الله السناوي :” يصعب بقاء أحوال النظم وموازين القوى فى الشرق الأوسط على ما هى عليه بعد انقضاء جائحة «كورونا» المستجد .
هناك اعتباران رئيسيان سوف يتحكمان في صياغة مشاهد اليوم التالى .
الأول ــ وقع التجربة المريرة في أوساط الناس العاديين والنخب العامة على حد سواء، ومدى الأضرار البشرية والاقتصادية وقدر مسئولية النظم في عيون مجتمعاتها .
هذه مسائل تدخل في حسابات الشرعية وتضرب فيها عند الجذور، وما هو محتم من تغييرات مسألة وقت .
والثاني ــ حجم التغييرات في النظام العالمي بعد انقضاء الجائحة، حقائقه وموازينه الجديدة، التى سوف تنعكس فى الشرق الأوسط قبل أي إقليم آخر في العالم بقدر ما يشهده من أزمات وصراعات وحروب .
إلى أي حد يتراجع الوزن الدولي للولايات المتحدة في عالم ما بعد «كورونا»؟
هذا سؤال إجباري قبل أي نقاش .
إذا ما تراجع الدور الأمريكي بدرجة أو أخرى فإن انعكاساته على صراعات وأزمات الإقليم وموازين القوى فيه سوف تتخطى أى قدرة حالية على التخيل .
النظرة إلى إسرائيل وأدوارها سوف تختلف، والرهانات على التطبيع المجانى معها لإرضاء الولايات المتحدة حفظا للعروش والنظم سوف تتراجع، ومشروعات تأسيس شرق أوسط جديد تلعب إسرائيل فيه دورا قياديا سوف تختفى .
هذه مجرد أمثلة لمدى ما يمكن أن يترتب على تراجع الدور الأمريكى .
الدور الصيني مرشح للصعود بعد الجائحة، غير أن الطريق لن يكون معبدا، فالصين ليست فى عجلة من أمرها للتحول إلى قوة عظمى، على ما تؤكد دوما، وتحتاج إلى وقت لإصلاح اختلالات اجتماعية فادحة حيث يعانى بعض مواطنيها من فقر مدقع، ونظامها السياسي يحتاج إلى انفتاح أوسع حتى يكتسب جاذبية الإلهام، الذى تحتاجه أى قوة عظمى فى عالم السماوات المفتوحة .
على جانب آخر فإن هناك حروبا معلنة ومكتومة سوف تجرى ضدها للحيلولة دون أى صعود محتمل لمنصة القوة العظمى الأولى، إدارة «دونالد ترامب» بدأت الحملات عليها بذريعة مسئوليتها عن تفشى الوباء وتضليل العالم ومنافسه الديمقراطى «جو بايدن» يزايد عليه ويتهمه بالتساهل مع الصين، ودول غربية أخرى دخلت على خط الاتهامات .
قد ترجع بعض أسباب الحملة على الصين إلى أخطاء ارتكبتها فى بداية الوباء، أو تعود إلى صراعات انتخابية فى الولايات المتحدة، لكنها فى صلبها تعبير عن صراعات سياسية دولية سوف تأخذ مداها، ولا شىء سوف يمضى يسيرا .
هذا عالم جديد يولد من تحت خرائب «كورونا»، وسوف يأخذ وقته قبل أن تستبين ملامحه وتنعكس حقائقه فى الشرق الأوسط أكثر أقاليم العالم اشتعالا بالأزمات والنيران .
بنظرة على العالم العربى، القوة البشرية الأكبر فى الإقليم، فإنه بحالة انكشاف استراتيجى، قضاياه مستباحة وأمنه القومى منتهك ومنظمته الإقليمية الجامعة العربية مشلولة “.
و الخلاصة ، ربما تختزل في أن الحصاد من نوعية الحرث .
و لا يمكن بدون وعي بالرهانات و استيعاب للتحولات تأمين المصير و المسار .و مستند الأيام المقبلة .
و يومنا هو كما قال أنسي الحاج ماضي الأيام الآتية ، و هو منطلق الأيام الآتية .
محمد بن زيان