مع انتشار وسائط الإعلام التفاعلي و التواصل الاجتماعي ، تدفقت الأخبار و التبست الحدود بين الحقيقي و المختلق .
و تدفق التفاصيل بدون معالجة إعلامية احترافية ، تترتب عنه عواقب تتفاوت حسب نوعية ما ينشر و السياق الزمني .
و في الأيام الأخيرة تداولت المواقع و معها بعض المنابر الصحفية أخبارا لها صلة بمواقع حساسة ، أخبارا لها صلة بالمؤسسة العسكرية و بالمنظومة المسجدية .
و بعد تداول أخبارا لها صلة بالمؤسسة العسكرية أصدرت وزارة الدفاع الوطني بيانا ردت فيه على من اعتبرتهم “أبواق لم تعجبها التغييرات التي باشرها رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني “.
و ذكر البيان “تداولت بعض المواقع الإلكترونية ووسائط التواصل الاجتماعي يوم الجمعة 17 أفريل 2020، معلومات مغلوطة وإشاعات حول تنحية وتوقيف عدد من القيادات المركزية وإطارات عليا بالجيش الوطني الشعبي” مؤكدة أنها “تفند قطعيا هذه الدعايات المغرضة الصادرة عن أبواق ومصالح لم تعجبها التغييرات التي باشرها السيد رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة وزير الدفاع الوطني “.
و حسب البيان فإن ذلك “محاولة يائسة لبث البلبلة وزرع الشك في صفوف الجيش الوطني الشعبي الذي سيظل الحصن المنيع الذي يحمي بلادنا من كل المؤامرات والدسائس “.و استنكرت وزارة الدفاع ذلك و أكدت على أنها “ستتخذ الإجراءات القانونية المناسبة لمتابعة مروجي هذه الحملة وتقديمهم أمام العدالة لوضع حد لمثل هذه الحملات التضليلية والتحريضية للرأي العام “.
و رفعا للالتباس تؤكد الوزارة أن “كل القرارات التي تتخذ في هذا الإطار يتم التعامل معها إعلاميا بكل الشفافية المطلوبة ويتم إطلاع الرأي العام بها في الوقت المناسب “.
و لعله من نافلة القول التذكير بأن ما يتصل بالمؤسسة العسكرية له اعتبار خاص ، نظرا لموقعها و تأثيرها ، و تتضاعف الحساسية في ظروف حرجة او ظروف انتقالية تقتضي وعيا مضاعفا .
و في الوقت ذاته راجت إشاعة عن إمام اقترف فاحشة بمسجد في قسنطينة ، و سارع البعض بدون التبيّن إلى الترويج ، و هو ما له تداعيات لا تخفى نظرا لحساسية موقع المسجد و لما يمثل الاعتبار الديني . و ردا على ما تم التسويق له أصدرت التنسيقية الوطنية للأئمة وموظفي الشؤون الدينية يوم السبت بيانا استنكار لما حدث للإمام مسعود براهيمي بولاية قسنطينة . وورد في البيان :
“إن المصائب والبلايا يبتلي بها الله الناس لعلهم يرجعون وها نحن نعيش هذا البلاء ولكن أكثر الناس لا يرعون ومرة أخرى تمتد السنة الرعاع ومرضى القلوب وأصحاب المصالح الضيقة للقدح في أعراض الافاضل من الناس وما حدث لأخينا وإمامنا الشيخ مسعود براهيمي بولاية قسنطينة الذي نسأل الله له أن يصبر ويحتسب لدليل آخر على فساد الطباع والأخلاق عند الكثير “.
و وواصل البيان“إننا كتنسيقية وطنية للائمة نشد عضد أخينا مطالبة ودفاعا عن حقه تبرئة لذمته وصونا لعرضه، وندعو كل الجهات لتحمل مسؤوليتها في إظهار الحق ومحاسبة المجرمين الذين تعدوا على عرضه اتهاما وبهتانا وأهانوا مقام الإمامة وطعنوا في قدسية المسجد”و ” أنه بات من الضروري والحتمي سن قانون يحمي الائمة والمقدسات الدينية من المساس او التلاعب والاستغلال “.
و التسريبات تتعدّد و لكنها تلتقي في نشر المغالطات و في الترويج لما يزيّف الوعي ..و يمكن أن تحصر أشكال التدليس و التشويش في الطرق التالية :
ـ اختلاق أخبارا لا أصل لها .
ـ التلبيس بخلط الأخبار بدون فصل في ما بينها .
ـ نقل خبر بدون التبيّن و التأكد من صدقه ، أو بدون أخذه من مصاره الحقيقية و لقد قيل قديما ” أفة الأخبار رواتها “.
ـ نقل خبر ببتر ما يكمله و هو ما يعبّر عنه بممارسة الكذب بالحذف .
ـ نقل أخبار بدون معالجة إعلامية احترافية لها ، فهناك أخبار تقتضي أهل الخبرة لتوضيحها و تبيانها .
و الظروف الحرجة تقتضي يقظة و تلاحما و التفافا حول كل ما يحمي الكيان و يضمن تماسكه و يقوي مناعته و كما قال الكاتب حسين الزاوي :” عندما تشتد الأزمات وتدلهمّ الخطوب كما يحدث الآن مع الوباء العالمي، تعيد الشعوب لملمة عناصر هويتها القومية، وتتلمس خطوط وإحداثيات حدودها الوطنية؛ لتشعر بمزيد من الطمأنينة؛ ولتطوِّر قدراتها على التصدي للأزمات، ومثل هذه الوضعيات هي التي دفعت الفيلسوف الفرنسي رجيس دوبري إلى القول: «من منطلق كوني أوروبياً جيداً، أختار الاحتفال، بالحدود؛ بوصفها تعد لقاحاً لوباء الجدران، وبوصفها علاجاً للامبالاة؛ ولكونها تحفظ الكائن الحي»؛ لأن العولمة التي جرى التبشير بها، حاولت أن تزيل الحدود؛ لكنها وضعت في مقابلها جدراناً إسمنتية سميكة من الحقد والكراهية، أسوة بما قامت به «إسرائيل» أو بما يعمل ترامب على إقامته مع المكسيك “.
و نحن الآن في عالم مرتكز القوة فيه في امتلاك المعلومة و في امتلاك آليات تسييرها ، معلومات تؤثر في حركات الأسهم في البورصات و في منحنيات المعارك السياسية و الانتخابية .
و كما يقول عالم الاجتماع سعد الدين إبراهيم :” المشترك الأعظم فى تفجير كل تِلك الثورات، التى شهدها، ويشهدها، وسيشهدها العالم، هو البيانات، التى سرعان ما تتحول إلى معلومات، وهذه بدورها تتحول إلى معارف .
ولأن حلقة المعلومات هى الحلقة الوسطى الحاكمة، فقد أصبحت الصناعة الأولى فى الرُبع الأول من القرن العشرين. وهى صناعة ناعمة، لا تحتاج إلى ماكينات، أو مواد صلبة، كما احتاجت الثورات الصناعية الثلاث السابقة. ولكن ما تحتاجه فهو العقول البشرية لتوليد تِلك المعلومات، والقدرة على تصنيعها، وتخزينها، والقدرة على استرجاعها، واستخدامها عِند الضرورة. وهى ما يصفه الخُبراء والعُلماء بالسلعة الناعمة أو الخفيفة. ولكن رغم خفتها ونعومتها، فإن قيمتها السوقية فى تصاعد مستمر .
وبينما كان موطن صناعات الثورات الصناعية الأولى، هو حيث كان توجد المواد الخام الضرورية لتِلك الثورات– مثل الفحم، والحديد، والنفط، ورأس المال النقدي، والعمالة بمستوياتها المتفاوتة، فإن الثورة المعلوماتية– المعرفية، هي تراكم إنساني، قد يبدأ بالفعل في الطابق السلفي لأحد منازل سان فرانسيسكو أو هونج كونج، ولكنه سرعان ما ينتقل إلى طوكيو، أو طهران، أو لندن، حتى قبل أن ينتشر فى بقية الولايات المتحدة. ولكن الشاهد هو أن ورثة أخر ثورة صناعية، وهى ثورة الإلكترونيات، هم عادة الأكثر رغبة وقُدرة على الاستفادة والإفادة من كل ما هو جديد، ولديهم عادة من المؤسسات ما يُساعد ويُشجع على ذلك –مثل الجامعات، ومراكز البحوث، والمصانع، والمجلات العِلمية، والبنوك، والمؤتمرات المُخصصة، ووسائل الدعاية، والتي تتنافس جميعاً في تشجيع كل ما هو جديد، والإسراع في تسليعه، وتسويقه، والإضافة إلى قيمته المبدئية الأصلية .
والجدير بالتنويه هو أن مكتشفي ومبتكري أدوات الثورة الرابعة، كانوا جميعاً فى العشرينات والثلاثينات من أعمارهم، وكانوا من أصول اجتماعية متواضعة، ومن خلفيات عِرقية متنوعة “.
محمد بن زيان