كورونا ترتب عن اجتياحها إرباك للاقتصاد و تأثير على الوضع الاجتماعي ، و التأثير بطبيعة الحال ، يختلف من منطقة لأخرى .
بعض الدول تحاول ايجاد مخارج ففي إيران التي تعتبر من أكثر البلدان المتضررة ، قررت السلطة اعادة جزئية لبعض الأنشطة الاقتصادية .
و في ما يخصنا ، التحدي مترابط بين محاور مختلفة ، و التحدي تضاعف مع مطلع هذه السنة مع تهاوي أسعار النفط و شبح الجفاف ثم كورونا . و الأنظار تتجه نحو فيينا لترقب ما سيسفر عنه لقاء الأوبك و شركاءها .
جرس الإنذار:
السيدة رولا دشتي الأمينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغرب آسيا المعروفة اختصارا (إسكوا) قالت :” «لا بدّ من أن تنفذ الحكومات العربية استجابة طارئة وسريعة من أجل حماية شعوبها من الوقوع في براثن الفقر وانعدام الأمن الغذائي نتيجة لتداعيات وباء كورونا»و “«عدد الفقراء في المنطقة العربية سيرتفع جراء انتشار فيروس كورونا المستجد مع وقوع 8.3 مليون شخص إضافي في براثن الفقر»، مع توقع أيضا أن يزداد عدد الذين يعانون من نقص في التغذية بحوالى مليوني شخص ليصل في النهاية عدد المصنفين في عداد الفقراء إلى ما مجموعه 101.4 ملايين فيما سيبلغ عدد الذين يعانون من نقص في التغذية حوالى 52 مليوناً “.
و يعلق الإعلامي التونسي محمد كريشان :
” إذا ما أخذنا تحذير «الإسكوا» وعطفنا عليه تحذير «الفاو« (منظمة الأغذية والزراعة العالمية ومقرها روما) من المخاطرة بحدوث «أزمة غذائية تلوح في الأفق ما لم يتم اتخاذ تدابير سريعة لحماية أكثر الفئات ضعفاً، والحفاظ على سلاسل الإمداد الغذائي العالمية على قيد الحياة والتخفيف من آثار الوباء عبر النظام الغذائي» ومن أن «في أي سيناريو، سيكون الأكثر تضرراً هم الفئات الأكثر فقراً وضعفاً في المجتمع»، فإن التحسب من الأسوأ هو أفضل السبل للشروع الفوري في وضع الخطط والسياسيات الملائمة .
لا تملك أي دولة عربية ترف استبعاد حصول أي سيناريو مرعب على أراضيها حتى وإن اختلفت الامكانات الاقتصادية والمالية من واحدة إلى أخرى، كما أن وجود دول عربية أكثر هشاشة من الأخرى بسبب الفقر أو النزاعات المسلحة الأهلية لا يعني أن الكل ليس معرضا للخطر الكبير المقبل المحتمل من جوع قد يتحوّل بكل سهولة وفي أية لحظة إلى اضطرابات كبرى قد تعجز الأجهزة الأمنية عن التعامل معها لأنها ثورة جياع واسعة لم يسبق لمعظم الدول العربية أن تعاملت مع أمثالها ولو على نطاق أضيق كما حصل في ثورات خبز مختلفة في تونس ومصر والمغرب ثمانينيات القرن الماضي .
الأمر لا يقف عند المواطنين في كل دولة، بل يشمل كذلك الأجانب والمهاجرين على أرضها. ماذا يمكن أن يحدث مثلا لو خرج مئات الآلاف من العمال الآسيويين في دول الخليج العربية إلى الشوارع جائعين ساخطين وهم فئة واسعة، تعاني الحرمان أصلا، ممن طالبت الممثلة الكويتية برميهم في الصحراء (!!) وماذا لو خرج لنفس السبب آلاف المهاجرين الأفارقة في ليبيا والمغرب وتونس، بعضهم من العمال الذين انقطع رزقهم والبعض الآخر من بين من كان هناك انتظار لفرصة هجرة إلى أوروبا تبخرت بالكامل؟ علينا أن نتخيل هذا من الآن ونستعد.. قبل فوات الأوان “.
و يستشهد كريشان بمقال منذر بالمؤشرات كتبه الكاتب التونسي كمال الرياحي و مما قاله فيه :” «إن حقّ أكل لحم العدو الذي تسمح به بعض جيوش الدول أثناء الحروب للبقاء على قيد الحياة ستستعمله الشعوب التي ستجوع إذا لم توفر لها دولها الغذاء، واكتفت بقمعها ليبقى المواطنون في بيوتهم حتى تحاصر هي الوباء وتحد من انتشاره، فالمؤن التي تتمتع بها طبقة اجتماعية يكفيها لتصبر بعض الوقت لا تمتلكها تلك الطبقات المسحوقة التي تخرج كل يوم تجمع القوارير والأكياس البلاستيكية، وتبيع الخضار على الأرصفة لتؤمن غذاءها اليومي “.في بلدنا التأكيدات مستمرة على ما يطمئن ، لكن التدبير مرتبط بالتقدير ، و التقدير يكون بناء على معطيات الكائن و ليس الممكن .و بعبارة من المرجعية القرآنية نحن في حاجة إلى الحكمة اليوسفية لتحقيق الحماية من تداعيات الآثار الكارثية لكورونا .و القضية ليست فقط اموال ، بل بلورة شراكة حقيقية بين مختلف الأطراف الفاعلة ، و ترسيخا لكل قيم التكافل و التضامن و قيم العمل و الإبداع و تحفيز ملكات الابتكار و الذكاء و مهارات الحرف و الأداء .
محمد بن زيان