الذكرى الـ42 لوفاته… هكذا أسّس هواري بومدين للجزائر المعاصرة..
وقف سدا شامخا أمام أعداء التعريب وشكل عقدة مزمنة للمخزن
الجزائر -تحل، هذا الأحد، الذكرى الـ42 لرحيل الرئيس الأسبق هواري بومدين، واسمه الحقيقي بوخروبة محمد إبراهيم وهوأصغر رئيس يتوفى وهو يزاول مهامه الرئاسية.
46 سنة فقط عاشها الراحل هواري بومدين، قضى منها 13 سنة على رأس الدولة الجزائرية من 19 جوان 1965 إلى 27 ديسمبر 1978، غير أن إنجازاته وأعماله كانت أكبر من سنه وعمره.
ويحرص الجزائريون على التفاعل مع هذه المناسبة سنويا، سواء بطريقة رسمية أو عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وعبر ندوات يتناولون فيها سيرة ومآثر بومدين. وولد بومدين في 23 أوت 1932 في قرية بني عدي بولاية ڤالمة، حفظ القرآن صغيرا في الزوايا ودرس في شبابه في الجامع الأزهر بمصر.
الأب الروحي لجيش التحرير
وانضم بومدين لثورة التحرير وكان مرابطا على الحدود الغربية للبلاد، وبعد الاستقلال سنة 1962 عينه الرئيس أحمد بن بلة قائدا لأركان الجيش، وفي 1965 أطاح بومدين ببن بلة عبر انقلاب عسكري، وقاد إثرها ثورة اشتراكية على ثلاث جبهات هي: الصناعة والزراعة والثقافة.
ويشهد التاريخ للراحل بومدين بتأسيس المخابرات والمواصلات السلكية واللاسلكية وهو الذي كان يقود بنفسه الكتائب التي كانت تنقل الأسلحة من الحدود الغربية إلى داخل الولاية الخامسة حتى جبال الونشريس بالولاية الرابعة، والأهم من كل هذا هو إعادة تشكيل وحدات جيش التحرير بعد أن فكّكت وتشردت بداية من سنة 1958، فكوّن هيئة الأركان المعروفة، وأعاد هيكلة جيش التحرير الوطني في الداخل وعلى الحدود، وسلّح الجيش تسليحا عصريا، وأصبح يهدد فرنسا بالحرب الشاملة والمفتوحة، وكان يريدها على شاكلة الحرب الفيتنامية، وهذا واضح مع بداية 1961، مما جعل ديغول يتخوف من “ديان بيان فو” ثانية، ويقرر الاعتراف بتقرير المصير، والجلوس إلى طاولة المفاوضات.
ويعتبر بومدين الأب الروحي لجيش التحرير بعد كل النكبات التي حلت به بعد لقاء الصومام، وهذا لا يختلف فيه المجاهدون الذين عاصروا الأحداث الأليمة وقتها، خاصة جنود وإطارات الولاية الأولى والقاعدة الشرقية الذين تعرضوا لكل أنواع الإهانات قبل مجيء بومدين، وبفضل حنكته العسكرية تدرج بومدين في الرتب العسكرية إبان الثورة التحريرية إلى أن أصبح قائداً لأركانها.
الثورات الثلاث
بعد الاستقلال كان له الفضل في إرساء دعائم دولة قوية، حيث بنى مؤسسات وأقطاب للصناعات الثقيلة، تعد الكبرى في القارة الأفريقية، أسهمت ولا تزال في رفع الاقتصاد الوطني، كما كان له الفضل في وضع اللبنة الأساسية للتربية والتعليم في الجزائر، من خلال إنشاء المدارس والجامعات ومراكز البحث العلمي المتخصصة، إلى جانب المعاهد الإسلامية ذات الطابع الدولي من أهمها جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة.
وأسس مجلس الثورة قيادةً جماعيةً تتخذ القرارات الكبرى للبلاد، كتأميم النفط والمحروقات وإشراف الدولة على القطاعات الإنتاجية، وتعميم نظام الثورة الزراعية واعتماد الاقتصاد الموجه، كما وضع دستورا وميثاقا أسسا ركائز “الدولة الجزائرية الحديثة”.
وقد عمل بومدين ما في وسعه لتجسيد ما جاء في وثيقة طرابلس بما يعرف بالثورات الثلاث (الزراعية – الصناعية – الثقافية)، وقد كان المشروع ككل في بدايته مع قلة الموارد المالية وندرة الإطارات والكوادر الوطنية، ولكن رغم ذلك أسس لقاعدة صناعية صلبة ما زالت الجزائر تعيش عليها، وقد دخلت الجزائر في عهده التصنيع من أوسع أبوابه المتاحة وخصوصا مصانع الحديد والصلب التي هي أساس التقدم الصناعي في الدول المتحضرة مقارنة ببعض الأقطار العربية الثرية التي كانت قد نالت استقلالها منذ أمدٍ بعيد.
وأسّس لثورة زراعية أخرجت الفلاح من نظام الرعي والخماسة، وأدخلته في تيار العصرنة، ولم تكتمل التجربة، حيث تم التراجع عنها سنة 1979.
وكان التأميم أحد أهم منطلقات الحركة التصحيحية التي قادها هواري بومدين رحمه الله وكان دعم القطاع الزراعي هدفا رئيسيا من أهدافه فاتخذت القرارات لإنشاء ألف قرية فلاحية تقدم بالمجان للفلاحين إلى جانب الأرض الزراعية لتتهيأ للفلاح ظروف إنتاجية رائعة ودعمه بما يلزم من وسائل الإنتاج الزراعي.
وقف سدا شامخا أمام أعداء التعريب
وبالنسبة للثورة الثقافية في عهد بومدين فقد عرفت نقلة نوعية في جميع المجالات، خاصة في التعليم بجميع مراحله زيادة على البعثات الدراسية إلى الخارج، حيث برزت في عهده نخبة لا بأس بها من المثقفين الرواد في جميع أنواع الثقافة من جيل السبعينيات، من شعراء وكتاب وأدباء ومفكرين وباحثين ومبدعين. ووضع الرئيس الراحل هواري بومدين الخطط لمرحلة التعريب في الجزائر ولتعود الجزائر إلى لغتها العربية الأصيلة وبدأت عجلة التعريب تسير بخطىً حثيثة ضمن أهداف معدة ومدروسة من المرحلة الأساسية لتنتهي بالمرحلة الثانوية ومن ثم التعليم الجامعي، واضعا نصب عينيه التعليم الجامعي في سوريا المعرب آنذاك، ووقف سدا شامخا أمام أعداء التعريب وهم كثر، سواء منهم من كان في الشارع الجزائري أو داخل الحكومة، وكثيرا ما عرج على ذكر ذلك في خطاباته.
وحرص بومدين على مجانية التعليم لكل طالبٍ جزائري ولم يكتفِ بذلك فحسب فكان يقدم منحة لكل طالب سواء في المدرسة أو الجامعة.
مواقف دولية مشرفة
كانت الجزائر في عصره قلعة من قلاع التحرر في العالم، تساند كل الشعوب التي تتوق لنيل حريتها، سواء في إفريقيا أو آسيا أو أمريكا اللاتينية، حيث لم تقف مآثر الراحل على المستوى المحلي فحسب، فكانت الدبلوماسية في سنوات حكم بومدين من أكثر الدبلوماسيات الدولية تميزاً وتأثيراً، بوصفه أحد رموز حركة عدم الانحياز.
لعب الرئيس الراحل دوراً مهماً في الوساطة بين الدول التي شهدت صراعات سياسية وعسكرية؛ كما كان أول رئيس عربي يتحدث باللغة العربية في اجتماع الأمم المتحدة سنة 1974، حيث امتلك الجرأة الكافية لدعوة الدول إلى نظام اقتصادي دولي جديد، يضمن تكافؤ الفرص بين الدول الفقيرة والغنية. واشتهر بمساندته المطلقة للقضية الفلسطينية، حيث قال في اجتماع للأمم المتحدة جملته المشهورة: “نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”.
كان نشيطا في منظمة الوحدة الإفريقية ومنظمة دول عدم الانحياز، وفي المؤتمر الأفرو-آسيوي في 3 سبتمبر 1973 طالب بومدين بنظام دولي جديد.
وللرئيس الأسبق هواري بومدين، مواقف كثيرة داعمة للحركات التحررية، ومبادئ ألهمت كفاح ونضال الشعوب نحو الاستقلال في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وبقاع أخرى من العالم.
عقدة مزمنة للمخزن
وشكل الرئيس الراحل هواري بومدين عقدة مزمنة لنظام المخزن المغربي الذي لا يتوانى في تلفيق الأكاذيب وتدليس الحقائق للنيل من شخصه، حتى بعد عقود من وفاته. وما ترويج صفحات ومواقع مغربية، لصورة مفبركة تظهر الرئيس الراحل هواري بومدين وهو يقبل يد محمد الخامس، حيث قام موقع فايسبوك بحظرها إلا دليل على ذلك. إلا أن الصورة لا تظهر الرئيس الأسبق هواري بومدين مقبلا يد الملك محمد الخامس، حيث تبين أن الصورة معدلة، والأصلية منها منشورة في تقارير عن المغرب، يظهر فيها كما ورد في التعليق المرافق لها “ولي العهد مولاي الحسن وهو يقبل يد والده محمد الخامس عام 1950”.
فقد تسلّم الرئيس هواري بومدين السلطة في الجزائر عام 1965 أما ملك المغرب محمد الخامس فقد توفّي في فيفري 1961 وبالتالي من غير الممكن أن يكون الملك استقبل بومدين عندما كان على رأس السلطة في الجزائر.