فريق جبهة التحرير الوطني: الصوت الآخر للثورة الجزائرية

يعد فريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم الذي تم تأسيسه بتاريخ 13 أبريل 1958 رمزا للرياضة الجزائرية, حيث اختار آنذاك لاعبون في أوج عطائهم الكروي تسخير شهرتهم لإسماع صوت الثورة التحريرية الجزائرية عبر أنحاء العالم.
وبعد مرور 70 عاما على اندلاع ثورة الفاتح من نوفمبر 1954 المجيدة, فإن الشجاعة والروح الوطنية التي أظهرها هؤلاء اللاعبون الاسطوريون تبقى نموذجا للأجيال القادمة.
وكانت بداية هذه الملحمة عندما قرر 32 لاعبا محترفا مغادرة أنديتهم الفرنسية, في سرية تامة, متوجهين إلى ما سيكون فيما بعد مقرهم الرئيسي, مدينة تونس, وذلك تحت قيادة الثنائي محمد بومزراق ومحمد علام وشكلوا ما سيعرفه العالم ويكتشفه باسم فريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم.
في 15 أبريل 1958, استيقظت فرنسا الاستعمارية على وقع صدمة اختفاء الفقيد رشيد مخلوفي الذي كان صانع ألعاب نادي سانت ايتيان وأحد صانعي تأهل المنتخب الفرنسي إلى نهائيات كأس العالم 1958 بالسويد, لتتبعه أسماء أخرى كبيرة كانت مفخرة لأنديتها, على غرار اللاعبين الثلاثة لنادي موناكو: اللاعب الساحر مصطفى زيتوني والمهاجم قدور بخلوفي والحارس الكبير عبد الرحمن بوبكر وعمار رواي (أنجيه) وعبد العزيز بن تيفور (نيس) وعبد الحميد كرمالي (أولمبيك ليون) ومحمد معوش الذي لعب لملعب ريمس الكبير وغيرهم كثيرون.
فريق صار سفير الجزائر المناضلة
فكرة إنشاء فريق جبهة التحرير الوطني, الذي صار سفير الجزائر المناضلة حتى استقلال البلاد عام 1962, ولدت في عام 1957 عندما عاد محمد بومزراق من المهرجان العالمي للشباب بموسكو. فمنذ مقابلة منتخب من شمال إفريقيا الذي فاز على فرنسا (3-1) في مبادرة نظمت لمساعدة ضحايا زلزال أورليون فيل (الشلف حاليا) قبل شهر واحد فقط من اندلاع الثورة المسلحة في الفاتح من نوفمبر 1954, بدأ بومزراق, مع فريق مشكل من مختار عريبي (مدرب آفينيون آنذاك) وبن تيفور والدكتور مولاي الذي كان ينظم الطلبة الجزائريين ومحمد معوش, في تشكيل فريق مكون من لاعبين جزائريين ينشطون في البطولة الفرنسية على وجه الخصوص.
وقد تم وضع خطة لرحيل هؤلاء عن أنديتهم فكان بن تيفور أول المغادرين إلى سان ريمو بإيطاليا ثم تبعه لاعبو نادي موناكو صحبة رواي إلى روما ليتوجه الخماسي بعدها إلى تونس, حيث انضم إليهم اللاعبون الأربعة الآخرون الذين سافروا عبر سويسرا بعد أن تم تسجيل تأخر بسبب نقل زميلهم مخلوفي إلى المستشفى بسانت إتيان بسبب إصابته.
وفي طريقهم إلى الحدود, علموا أن هروبهم قد تم اكتشافه وتمكنوا من العبور إلى سويسرا, لكنهم نسوا اصطحاب محمد معوش الذي كان ينتظرهم بلوزان, فقرر هذا الاخير العودة إلى باريس دون أي معلومات.
وبمدينة ليون, علم معوش أن أصحابه استطاعوا المرور من الحدود ليحاول حينها الرجوع إلى سويسرا قبل أن يتم القبض عليه إلا أن ذلك لم يمنعه من مواصلة تنظيم عملية مغادرة لاعبين آخرين إلى تونس إلى أن وصل عددهم, يوم 2 نوفمبر 1958 الى 30 لاعبا.
وبتواجد ال30 لاعبا بالعاصمة تونس, حيث مقر الحكومة المؤقتة للثورة الجزائرية, أدرك فرحات عباس بسرعة المزايا التي يمكن أن يتم جنيها من خطة محمد بومزراق.
وبعد ذلك بمدة, قال مقولته الشهيرة : “هذا الفريق أكسب الثورة الجزائرية تقدما ب10 سنوات “.
وقد لعب فريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم 62 مباراة رسمية, لكن في واقع الامر عدد مبارياته وصل إلى 91, باحتساب بعض اللقاءات أمام فرق لم تكن ذات مستوى عال.
وقد ظلت مجموعة الـ30 لاعبا (كما سموها) والمكونة من لاعبين استثنائيين مصدر إلهام دائم وحقيقة مغادرتهم فرنسا في ظل ظروف قاسية كانت مؤشرا آخر على التحديات التي كانت تنتظرهم للمساهمة في تحرير وطنهم, فحملوا الكرة في أرجلهم والشعار الوطني على أكتافهم وناضلوا من أجل الاستقلال الوطني.
رمز لكفاح شعب يناضل من أجل حريته
بمداعبتهم للكرة, كان هؤلاء اللاعبون المناضلون يشاركون بطريقتهم الخاصة في الكفاح من أجل الاستقلال الوطني. كانت الفكرة الأولية هي أن يكون هناك فريق كرة قدم يرمز إلى صورة شعب يناضل من أجل استقلاله, وهو ما عبر عنه محمد معوش بكل فخر واعتزاز عندما قال أنه “لا أحد منا يشعر بالندم لكل ما فعله, لقد كنا مناضلين وثوريين, حاربنا من أجل الاستقلال وكانت تلك أفضل سنواتنا”.
وأضاف بالقول: “طيلة سنتين, أمتعت التشكيلة جماهير الدول التي زارتها ولعبت في ملاعبها وحققت ما مجموعه 65 انتصارا و 13 تعادلا ولم تنهزم سوى 13 مرة, حيث سجل الفريق 385 هدفا وتلقى 127 هدفا طيلة هذه المسيرة”.
وكان يضم فريق جبهة التحرير الوطني 30 لاعبا, لكن تشكيلته الاساسية كانت مكونة غالبا من بوبكر, بخلوفي, زيتوني, سوكان محمد, دفنون (ستاتي), عريبي, رواي, براهيمي (كرمالي), مخلوفي, بن تيفور, بوشكو (سوكان عبد الرحمان), والاحتياطيين الذين لا يقلون شأنا عن نظرائهم.
وعن هذا الفريق, كان الفقيد رشيد مخلوفي يقول في تصريحاته أن أعضاء فريق جبهة التحرير الوطني “لم يكونوا ذوي مستوى عالي فقط, بل شكلوا واحدا من أكبر وأقوى المنتخبات في العالم.
ولو شاركنا في نهائيات كأس العالم آنذاك لذهبنا بعيدا في المسابقة”.
هذه الكلمات لوحدها كافية لتلخيص قيمة هذا الفريق الاسطوري الذي شكله رجال وهبوا أنفسهم جسدا وروحا من أجل استقلال الجزائر.
وبعد مرور 70 عاما على اندلاع ثورة أول نوفمبر 1954 المجيدة, فإن الشجاعة والروح الوطنية التي أظهرها هؤلاء اللاعبون الأسطوريون تبقى نموذجا للأجيال القادمة.
ق/ر