عمالة الأطفال.. ظاهرة تنخر عظام اللبنة الأساسية في المجتمع
بيع المناديل الورقية والمياه المعدنية ومسح زجاج السيارات عند الإشارات الضوئية
أمينة حلوي
عمالة الاطفال , ظاهرة ليست بجديدة على المجتمع الجزائري, اطفال بعمر الزهور يعملون بشكل شاق طوال النهار من اجل لقمة العيش ولكل منهم اسبابه, ولكل منهم طريقته في الكسب , فتتنوع اعمالهم بين من يبيع المناديل الورقية في الطرقات او في محطات الترامواي, وبين من ينظف السيارات املا بالحصول على مبلغ لابأس به يعوضه عن تعب النهار .
فتجدهم يعملون في مختلف الاحياء والاماكن, ومدينة وهران كنموذج , فتارة تجدهم في الاسواق وتارة في الاحياء الراقية المستقطبة للناس, وتارة في محطات الحافلات ومحطات الترامواي, وفي محطة الترامواي بساحة 1 نوفمبر وجدنا الطفل (ع.ن) يقوم ببيع المناديل الورقية, يتنقل من محطة إلى أخرى وقال في تصريح له لجريدة “الديوان” مازحا انه يحب العمل في الترامواي لأنه مليء بالناس ومريح عكس الحافلات التي تقود بسرعة, كما عبر عن حبه للعمل وهو في سن صغيرة رغم انه توقف عن الدراسة في الطور الابتدائي تحديدا في السنة الثالثة رغم معارضة والدته لذلك, كما قال ان اصدقائه كذلك يعملون ويرون ان هذا النوع من العمل في هذا السن مربح للغاية.
وفي احد الاحياء الراقية بوهران “العقيد لطفي”, وفي نهج ميلينيوم, تجد اطفالا اعدادهم ليست بالقليلة, ينتظرون عند اشارات المرور لعل وعسى ان يرضى احد السائقين بتنظيف سيارته او حتى مسحها على عجل.
خلال يوم رمضاني مشمس بوقت الظهيرة التقينا بأربعة اطفال ممن يعملون في سن الزهور يتحاورون فيما بينهم عن احوال العمل بشكل عام, فاقتربنا منهم سائلين اياهم عن اعمارهم, وعن سبب عملهم رغم سنهم الصغير, ليجيب احدهم دون ذكر اسمه انه توقف عن الدراسة وبدا يعمل ليعيل عائلته, كما انه بعد مرور وقت ليس بالطويل ندم على انه لم يكمل تعليمه وهو في هذا السن, فلا يزال يبلغ من العمر 12 عاما فقط , اما الطفل الثاني البالغ من العمر 11 سنة و الذي تحمس فور سماعه اننا من قطاع الاعلام فهو الاخر قال بانه لم يعمل فقط لأنه اراد ذلك لكنه كان مجبرا على اعالة عائلته بسبب الظروف التي يعيشونها, اما الطفل الثالث وهو بعمر 14 عاما فقال انه لم يدرس قط في المدرسة ولم يعرف يوما كيف يكتب فقد فتح عينيه على العمل بالشارع لكنه ابدى رغبته بالعمل في مجال الاعلام عندما يكبر واثناء قوله لهذه العبارة عينيه البريئتين كانتا مليئتا بالشغف, اما الطفل الرابع فقال باختصار انه بدا العمل نظرا للمشاكل التي تعاني منها عائلته ولم يضف كلمة اخرى ,
هذا وتساءلنا عن اذا ما كان العمل في الشهر الفضيل مرهقا او جيدا على الاقل من ناحية المدخول المالي, فقالوا بالاجماع ان العمل في شهر رمضان المبارك متعب قليلا لكن الناس يصبحون الطف بعض الشيء, ويسمحون لنا بتنظيف سياراتهم واحيانا يمنحوننا نقودا اضافية , وهذا ما ينسيهم على الاقل مرارة العمل.
البعض يؤيد فكرة كسب الطفل “قوته” بعرق جبينه !!
واثناء تواجدنا باحد اشهر اسواق مدينة وهران “سوق لاباستي”, عبربعض الاشخاص لجريدة الديوان عن تقبلهم لهذه الظاهرة مبررين بذلك : انه من الافضل لهؤلاء الاطفال العمل وكسب قوتهم بالحلال عوضا عن ان يتسول او يسرق , في حين يرى اخرون انه ليس على الاطفال ان يعملوا في هذا السن رغم الوضع الاقتصادي المزري الذي اجبرهم على ذلك بل وجب عليهم اتمام دراستهم, مؤكدين على انه يجب على الدولة ان تتكفل بهم او ان تساعدهم ليتمكنوا على الاقل من اكمال دراستهم.
مخاطر حقيقية تحدق بهذه الشريحة من المجتمع
من جهته حذر الاخصائي الاجتماعي بدرالدين مرزوقي من مخاطر هذه الظاهرة والتي تمثلت وفق تصريحه في مخاطر الاختلاط والانحراف و والانخراط في جماعات الاشرار وغير ذلك من الانحرافات السلوكية التي يدفع كل من المجتمع والاسرة ثمنها بشكل مباشر او غير مباشر.
هذا واشار الى ان معالجة هذه الظاهرة تتطلب تدخلا وقائيا وتدخلا علاجيا, والتدخل الوقائي يكون من خلال تحسيس الاسرة عبر مختلف الوسائط الاجتماعية من اخصائيين ونفسانيين وحتى حقوقيين من اجل تلبية احتياجات هذه الاسرة لتتمكن من ابقاء اطفالها في المدارس, اما التدخل العلاجي فيتمثل في وجوب استحداث مراكز للتوعية والتحسيس للحد من انخراطهم في جماعات منحرفة.
بالأرقــــــــــــام !
ووفقا لموقع الامم المتحدة الالكتروني فان النسبة المئوية للأطفال ضمن عِمالة الأطفال هي الأعلى في البلدان منخفضة الدخل، فأعدادهم في الواقع أكبر في البلدان المتوسطة الدخل. فنسبة 9% من جميع الأطفال في البلدان ذات الدخل المتوسط المنخفض ونسبة 7% من جميع الأطفال في البلدان ذات الدخل المتوسط المرتفع منخرطون في الأعمال. وتشير الإحصاءات كذلك إلى أن 84 مليون طفل (يمثلون 56٪ من جميع الأطفال العاملين) يعيشون في البلدان المتوسطة الدخل، بينما يعيش 2 مليون طفل عامل في البلدان ذات الدخل المرتفع.
اما في الجزائر فتشير الاحصائيات الرسمية لجوان 2018 ان النسبة لا تتعدى 0,5, ولكنها مخصصة للعمال المراقبون من طرف مفتشيات العمل .
وفي ختام لقائنا بالأطفال ارادوا ان يغنوا لنا ليعبروا عن حالهم وعن طموحاتهم واحلامهم ورغباتهم, التي ربما يحاولون المحافظة عليها لا نسيانها وبالفعل امتعونا بأصواتهم البريئة والمليئة بالحماس, آملين بتغير احوالهم قريبا.