جانت: تظاهرة ”سبيبا”.. موعد لإبراز ثراء الموروث الثقافي لمنطقة طاسيلي ن آزجر
يشكل المهرجان الثقافي المحلي “سبيبا” الذي تحتضنه هذه الأيام ولاية جانت بأقصى جنوب شرق البلاد, موعدا سنويا لإبراز ثراء وتنوع الموروث الثقافي لمنطقة طاسيلي ن آزجر, حسب ما أفاد اليوم الثلاثاء فاعلون في حقل الثقافة بجانت.
ويحظى هذا الحدث المتميز (13-16 يوليو) والذي يصادف الاحتفال بيوم عاشوراء (العاشر من شهر محرم) بمكانة خاصة ضمن العادات والتقاليد الراسخة لسكان المنطقة, حيث يعد مناسبة للتعريف بالتراث الثقافي اللامادي والمساهمة في تثمينه.
وتعتبر “سبيبا” واحدة من الطقوس المرتبطة بأول الشهور الهجرية والذي يقام في العاشر من محرم من كل سنة بمدينة جانت يجمع بين قصرين عريقين وهما قصري ”الميزان” و ”زلواز” , لكن التدريبات والتحضيرات تبدأ مع بداية شهر محرم إلى غاية “اليوم الكبير”.
وأصبح مهرجان ”سبيبا” يستقطب جنسيات مختلفة من البلدان العربية والأجنبية, خاصة بعد إدراجه ضمن قائمة التراث اللامادي العالمي لليونسكو في 2014.
وأبرز المهتم بتراث المنطقة, يوسف أوقاسم ل”وأج”, أهمية هذه المناسبة كونها تعبر عن تاريخ المنطقة من خلال رقصة ”سبيبا” والأشعار التي ترددها النسوة خلال الاحتفال المتوارث عبر الأجيال منذ القدم, مضيفا أن مصطلح ”سبيبا” يعبر على الحياة الحضرية وترديد قصائد شعرية تمجد الإنسان القديم في حالات متعددة وتصفه وصفا دقيقا.
وأضاف السيد أوقاسم أن التظاهرة “فقدت الكثير من المعالم بمرور الزمن وهو ما يستدعي تدوينه بشكل دقيق دون تحريف لصونه وحمايته من الإندثار”, داعيا الهيئات المختصة إلى استحداث مدرسة لتدريب الأطفال والشباب خاصة بتظاهرة ”سبيبا” وسن قوانين خاصة بها وتشجيع المبدعين للمحافظة عليها.
من جهته, أوضح محافظ المهرجان, ناصر بكار, أن المصادر المختلفة تتفق على أن “سبيبا” تعد “تراثا مميزا” لمدينة جانت, يجمع هذا الحدث قبائل الطاسيلي ن آزجر سنويا مع حلول عاشوراء, وتحتفل القبائل في قصري “الميزان” و”زلواز” بهذا الحدث عبر طقوس يمتزج فيها جمال الفن بالتقاليد والأعراف الدينية, وتكتسي “أهمية كبيرة ليس فقط باعتبارها رقصة بل لأنها تمثل تقليدا حربيا متوارثا عن الأسلاف”.
وأشار الدكتور حسن عالي من جامعة سعيدة ,أن تظاهرة ”سبيبا ” تعتبر “أحد أهم ما يمز هذه المنطقة ثقافيا”و هو “تراث هام مصنف دوليا” يتعين المحافظة عليه من خلال ترقية الوعي لدى المجتمع كونه يعبر عن محطات مختلفة من التاريخ بخصوصياتها.
وأضاف انه من الضروري أيضا إنشاء فضاءات ملائمة لهذا التراث بعيدا عن المناسباتية والتركيز على الديمومة والحركية على طول السنة.
فعاليات “سبيبا” وشغف السكان باليوم الكبير
مع بزوغ فجر عاشوراء, يتجمع سكان القصرين في ساحاتهم الخاصة “داق أخداجي” في قصر “الميزان” و”خيلا” في قصر “زولواز”, و يرتدي المشاركون من النساء والرجال والأطفال ملابسا خاصة بالمناسبة تتكون من عدة قطع من بينها تيكميست (أقمصة ذات أكمام عرضة مفتوحة الجانبين نيلية اللون وناصعة المظهر) وتاكمبوت (قناع يغطي الوجه مرصع بالقطع المعدنية مثلثة الشكل) وألشو (قطعة من القماش الرفيع تغطي الرأس), وتتزين النساء ليظهرن بأبهى صورة تليق بمكانة ”سبيبا”.
ويتوجه الجميع إلى ساحة “دوغيا” المستطيلة في وسط مدينة جانت, حيث يدخل المتنافسون في عملية تسمى “التنفار”, وهي استعراض يتضمن دوران المشاركين مرتين أو ثلاث, ثم يعود كل فريق إلى موقعه. وبعد اختيار أعيان القصرين لممثلي كل قصر, يتمركز فريق كل قصر على يمين الساحة, بينما يتخذ الفريق المنافس الجهة المقابلة.
وتؤدي الفرق المشاركة رقصات وحركات متناسقة على إيقاع الطبول والأشعار التي ترددها النساء والمقسمة إلى سبع أجزاء يسمى كل جزء منها بالمتلازمة, ويشرعن في ترديد القصائد كتفا لكتف مع التصفيق المستمر طيلة الإيقاع.
ويمنح الغناء للفرسان طاقة إضافية لمواصلة العروض في مشهد مليء بالألوان يتابعه سكان جانت وسياح وطنيون وأجانب، كما أوضح أعيان المنطقة.
وتنقسم الفعاليات إلى فترتين, صباحية تمتد حتى الظهر, ومسائية تبدأ من العصر حتى المغرب, ويتم في نهاية اليوم اختيار من أبدع في لباسه ورقصه وأدائه أمام لجنة التحكيم المكونة من كبار أعيان المنطقة والجمهور.
ويكلف الفائز بتسيير شؤون المدينة, كما كان يفعل الأجداد, مثلما أوضح عثمان بالنقاس رئيس جمعية قصر الميزان تغورفيت الثقافية والمسؤول عن تسيير شؤون القصر.
ويحرص السياح على متابعة العروض المقدمة واقتناء كل ما يدل على رمزية هذه التظاهرة التراثية, ويشهد سوق ”تاج أكال” الشعبي تدفقا للسياح الذين يصطفون أمام محلات بيع القماش المستخدم في حياكة اللباس التقليدي المحلي وأخرى لبيع المجوهرات المصنوعة من مواد محلية, ويضفى ذلك حركية تجارية معتبرة على مدينة جانت طيلة فعاليات المهرجان الذي يعد محطة لتثمين التراث المحلي والترويج للسياحة الصحراوية.
وسجلت مديرية السياحة والصناعات التقليدية بولاية جانت توافد ما يقارب 100 سائح من 18 جنسية أجنبية خصيصا لمشاهدة “سبيبا”, إلى جانب حضور عدد كبير من السياح من مختلف أنحاء الوطن, وهذا يعكس الأهمية السياحية للمهرجان ودوره في تعزيز السياحة.
ولقد وفرت كافة التسهيلات لوكالات الأسفار والسياحة التي تروج لهذا التراث, بالإضافة إلى تنظيم معرض للصناعات التقليدية بمشاركة عدة جمعيات ثقافية وسياحية وحرفيين, تعرض خلالها منتجات متنوعة تعبر عن تاريخ المنطقة, كما ذكر مدير القطاع الأمين حمادي.