بدأت السنة بمؤشرات مقلقة وطنيا و عالميا ، نتيجة لعوامل متعددة و متداخلة ، و جاءت جائحة كورنا لتفاقم الوضع بما ينجم عن إجراءات الحجر و تقليص النشاطات و شل الحركة من تأثيرات .
محللون متابعون لمنحنيات الاقتصاد العالمي يشيرون لمؤشرات تحول سينعكس بتداعياته ربما بما يتجاوز ما نجم عن الأزمات المالية التي عرفها العالم سابقا ، و هو ما يستدعي تعبئة و إبداع لآليات استيعاب الصدمة و تجاوزها .
جائحة كورونا شلّت العالم و أثرت على قطاعات متعددة كالنقل بمختلف أنواعه و السياحة و قطاعات خدماتية كثيرة ، و يضاف إلى ذلك تقلب السوق الطاقوية و انعكاسات التغيرات المناخية على الزراعة …الخ .
تقول الباحثة و سيدة الأعمال السعودية غادة المطيري:” تشكّل جائحة كورونا فرصة للعالم بأسره كي يضع خطة عن مواجهة حوادث مماثلة، بطريقة تكفل عدم إلحاق اضطرابات كبرى في الاقتصادات العالمية“.
تحدي الموازنة بين مكافحة كورنا و الحفاظ على الاقتصاد:
قادة الدول شمالا و جنوبا عبّروا عن القلق من تأثير كورونا على اقتصاد يعاني في الأصل الاهتزاز ، و بلدنا التي تعتمد على عائدات النفط مسها التراجع الرهيب للأسعار و أيضا شبح الجفاف ـ و لقد عاد المطر مؤخرا ـ .
ذلك ما دعا إلى التحرك فعقدت لقاءات لأعضاء مجموعة السبعة و أعضاء مجموعة العشرين ، و فتحت خطوط الاتصال فكان التحرك الأمريكي باتجاه الرياض للتحرك بغية الانفراج في السوق النفطية و هو ما فتح أملا بعد انتشار مؤشرات تشاؤم .
هناك بعد اقتصادي حاضر بإلحاح في سياق اكتساح الوباء و تتوقف غادة المطيري عند ما يتصل بذلك فتقول :” يأتي أولاً وقبل كل شيء، ضرورة حماية الأعمال الصغيرة، ربما بواسطة قروض حكومية، كي تتمكن من الحفاظ على موظفيها لحين احتواء الوباء أو الجائحة. واستطراداً، يكون لمصلحة الأعمال الصغيرة ألا تأخذ موظفين جدداً أو تدريب موظفين جدد. من الأفضل أن يحتفظ الموظفين بوظائفهم التي يشغلوها حاضراً، ويكون ذلك أقل كلفة في المال والوقت. وخارج إطار القروض، من المستطاع تمكين الأعمال الصغيرة من الحصول على إعانات البطالة التي كان موظفوها سيحصلون عليها لو أنهم صرفوا من تلك الأعمال. وفي خطوة تالية، تصرف تلك الأموال إلى الموظفين، مع الاستمرار في توظيفهم. واستطراداً، تتطلب تلك الخطوة وضع قوانين ضد التلاعب في ذلك الشأن. وثمة فائدة مضافة لذلك الأمر تتمثّل في إحساس الموظفين بأنهم جزء من مؤسساتهم، واستمرارهم في أداء وظائفهم أثناء زمن الأزمة. ويعطي قطاع المطاعم مثلاً عن ذلك الأمر، إذ يمكن للمطاعم أن تبقى على أهبة الاستعداد لمعاودة الانطلاق. وعندما تتوقف الأزمة، يكون كل فرد مستعداً للعودة إلى العمل. وبديهي القول أن الشرط لتحقيق ذلك يكمن في أن تمتلك المؤسسات موارد كافية لتعطيها القدرة على إعادة توظيف من يعملون لديها لفترة تقارب الـ24 شهراً متتالياً.
تحتاج المؤسّسات الكبيرة إلى مساعدة لن تأتي إلا من طريق إعطائها قروضاً بفائدة ميسّرة. أكثر من ذلك، يتوجّب ألاّ تستعمل القروض في شراء أسهم [بمعنى أن تشتري الشركة أسهمهما بنفسها] ولا توضع في مكافأت المراتب الإدارية العليا. يضاف إلى ذلك ضرورة أن تتقدّم الشركة التي تطلب قرضاً، بخطة توضح عن كيفية إنفاق ذلك المال بطريقة تعود بالنفع على الاقتصاد. وأخيراً، يفترض بالشركات التي تنال قروضاً أن تتقدّم إلى دافعي الضرائب بتقارير عن طرق انفاقها ذلك المال، ضمن مهل زمنية محددة. إذا أساءت الشركات الحاصلة على القروض الحكومية الطارئة، استخدام تلك الأموال فيتوجّب أن تفرض عليها عقوبات صارمة.
في المرّة الأخيرة التي أعطت فيها الحكومة الأميركية قروضاً إلى شركات، استخدمت الأخيرة تلك الأموال في شراء أسهم لمصلحة المساهمين [في الشركات] وليس الجمهور الأميركي الواسع. وثمة درس مُستفاد من ذلك مفاده ضرورة ربط القروض التي تُعطى في حالات الطوارئ مع تشريعات ملائمة“.
تحول عالمي
الجائحة منطلق تحول ، و لقد بدأت الإشارات و من مصلحتنا في الجزائر كبقية دول محيطنا ، تشكل قوى متعددة لكسر احتكار القرار العالمي . و لعل المستفيد الأكبر هو البلد الذي ابتدأت فيه كورونا ، أي الصين التي تتحرك لإنقاذ بلدان في أوربا لم يسعفها الاتحاد الأوربي .
محنة كورونا جاءت كفرصة لتأكيد الصعود الصيني المتنامي ، الصين التي انطلقت برؤية مزجت بين التواصلية التراكمية التاريخية و بين التواصلية الأفقية مع العالم ، و مزجت بين المرجعية الماركسية و المرونة الليبرالية . الصين التي انطلقت في مشروع طريق الحرير بشعار ” طريق واحد ، حزام واحد“
و هو المشروع الذي يعتبر أكبر مشروع عالمي في البنية التحتية حسب التقييمات .
و الصين كما يقول الاقتصادي الفليبيني والدين بيلو:” أصبحت ورشة العالم بلا منازع“، و هو ما عبّر عنه الرئيس الصيني في لقاء دايفوس 2017 قد قال :” الصين «تعلمت السباحة في محيط الاقتصاد الكوني» .
دروس وعبر :
أهم دروس و عبر المحنة تتمثل في النقاط التالية :
محورية المحتوى الاجتماعي و ضرورة وجود دور للدولة حتى لا تنفلت الأمور و تهيمن الأنانيات .
محورية اقتصاد المعرفة و الاستثمار في كل ما يتصل بالبحث العلمي و الصحة و التعليم ، و المثال الكوبي جدير بالاعتبار .
و كما يقول الكاتب اللبناني سركيس أبو زيد :” وباء «كورونا» سيغيّر العلاقات والمفاهيم والأفكار السائدة في العالم، لكن هل سيغيّر الإنسان سلوكه ووعيه وأولوياته وقيمه؟ التحديات والتحوّلات التي نواجهها، اليوم، سوف تعيد الاعتبار إلى الإنسان أولاً. كان حلمنا تغيير العالم، أصبح همّنا الأول المحافظة على العالم في بيئة نظيفة توفّر الصحة السليمة والتنمية المستدامة والأمان الوجودي. بعد وباء «كورونا»، سيكون مطلبنا الأول الحق في الحياة، وهو بقاء الإنسان على قيد الحياة، ومن ثم ندافع عن حقوقه… وجود الإنسان أولاً، ومن ثم نعمل من أجل تحسين هذا الوجود“.
محمد بن زيان