بالتفاصيل.. هذا ما جاء في مشروع قانون العقوبات الجديد
أقرت السلطات العمومية إجراءات جديدة تتعلق بتجريم عرقلة الاستثمار وتعزيز حماية الأسلاك الأمنية وانتحال الوظائف أو إساءة استعمالها، مع تعزيز الأحكام المتعلقة بالعمل للنفع العام، وهذا حسب مشروع القانون المحال على المجلس الشعبي الوطني، المتضمن تعديل قانون العقوبات.
ويندرج مشروع هذا القانون، الذي يقترح تعديل وتتميم قانون العقوبات، في إطار تنفيذ برنامج الحكومة في شقه المتعلق بمكافحة الجريمة وحماية المجتمع، من خلال تجريم بعض الأفعال التي أفرزها الواقع وتعزيز الحماية الجزائية لبعض فئات المجتمع لاسيما منها الفئات المستضعفة.
تجنيح بعض الجنايات
نص مشروع القانون على تحويل طبيعة بعض الجرائم من جنايات المعاقب عليها من 10 إلى 20 سنة سجنا لتصبح جنحا معاقب عليها من 10 إلى 20 سنة حبسا، وكذا الجرائم المعاقب عليها بالسجن المؤقت من 5 إلى 10 سنوات لتصبح جنحا معاقب عليها بالحبس لنفس المدة.
كما تم في نفس الوقت تخفيض عدد الجرائم التي عقوبتها السجن المؤبد وذلك تماشيا مع الالتزامات الدولية.
رفع عقوبة النفع العام إلى 5 سنوات
أقر مشروع القانون رفع القيود التي أعاقت السير الحسن لهذه العقوبة عن طريق توسيع الهيئات التي يتم أمامها تنفيذ العقوبة إلى الجمعيات المعترف لها بطابع المنفعة العمومية، وحذف اشتراط أن يكون المستفيد مسبوق قضائيا ورفع العقوبة المقرر قانونا للجرائم التي تطبق عليها هذه العقوبة إلى 5 سنوات جبس بدلا من 3 سنوات.
الوضع تحت المراقبة الإلكترونية..
عقوبة جديدة أتاح المشروع للجهة القضائية إمكانية أن تستبدل عقوبة الحبس المنطوق بها بوضع المحكوم عليه تحت المراقبة الإلكترونية، وذلك بتوفر عدد من الشروط وهي إذا لم يسبق الحكم على المتهم بعقوبة نافذة سالبة للحرية، لارتكابه جريمة مماثلة بمفهوم المادة 57 من هذا القانون.
وإذا كانت العقوبة المقررة قانونا للجريمة المرتكبة لا تتجاوز 5 سنوات جبسا، وإذا كانت العقوبة المنطوق بها لا تتجاوز 3 سنوات حبسا.
ويتمثل هذا الوضع في حمل الشخص المحكومة عليها نهائيا، طيلة مدة العقوبة لسوار إلكتروني يسمح بمعرفة مكان تواجده في المكان الذي يحدده قاضي تطبيق العقوبات والذي يتعين عليه عدم مغادرته إلا بترخيص منه.
12 سنة حبسا لكل من يعرقل الاستثمار
وفي إطار تحرير روح المبادرة لاسيما في القطاع الاقتصادي وخلق أحسن الظروف لتنشيط الاقتصاد الوطني، يقترح المشروع مراجعة الأحكام المتعلقة بالجريمة المنصوص عليها في المادة 119 مكرر من قانون العقوبات، من خلال إدراج عناصر موضوعية وعقلانية تسمح للقاضي بتقدير المسؤولية الجزائرية للمسير، اعتمادا على عناصر موضوعية تتمثل في خرق القوانين والتنظيمات وقواعد الأمن.
حيث أن كل موظف عمومي بمفهوم القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته يتسبب عمدا، نتيجة عدم مراعاته القوانين و/أو الأنظمة و/أ قواعد الأمن المعمول بها، في سرقة أو تبديد أو اختلاس أموال عمومية أو خاصة أو أشياء تقوم مقامها أو وثائق أو سندات أو عقود أو أموا منقولة وضعت تحت يده سواء بمقتضى وظيفته أو بسببها، يعاقب بالحبس من 3 سنوات إلى 4 سنوات وبغرامة من 300 ألف دج إلى 500 ألف دينار جزائري.
كما يقترح المشروع تجريم عرقلة الاستثمار بسوء نية، وتم تقرير لها عقوبة صارمة، قد تصل إلى الحيس 12 سنة، إذا ارتكبت الجريمة بغرض المساس بالاقتصاد الوطني وسهلت وظيفة الفاعل ارتكابها.. حيث يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من 100 ألف إلى 300 ألف دينار كل من يقوم بسوء نية وباي وسيلة بأعمال أو ممارسات تهدف إلى عرقلة الاستثمار.
وتكون العقوبة الحبس من خمس إلى سبع سنوات وبغرامة من 500 ألف إلى 700 ألف دج إذا كان الفاعل ممن سهلت له وظيفته ارتكاب الجريمة.
وتكون العقوبة من ثمانية إلى عشر سنوات وغرامة من 800 ألف إلى 1 مليون دج إذا ارتكبت الأفعال المنصوص عليها في المادة 418 قصد الإضرار بالاقتصاد الوطني.
ويرفع الحد الأقصى للحبس إلى اثني عشرة 12 سنة وغرامة إلى 1 مليون و200 ألف دج إذا كان الفاعل ممن سهلت له وظيفته ارتكاب الجريمة.
إدراج الجماعات الإجرامية المنظمة في قانون العقوبات
تماشيا مع أحكام اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، يقترح المشروع إدراج تعريف الجماعات الإجرامية المنظمة، وتعد جماعة إجرامية منظمة، كل جماعة محددة البنية، تتشكل من ثلاثة أشخاص أو أكثر، تألفت لتفرة من الزمن، تقوم بقعل مدبر بهدف ارتكاب واحدة أو أكثر من الجنايات أو الجنح المعاقب عليها بعقوبة خمس 5 سنوات حبس على الأقل، من أجل الحصول، بشكل مباشر أو غير مباشر، على منفعة مالية أو منفعة مادية أخرى.
وتعد جريمة عبر الوطنية طبقا لهذا المشروع، كل جريمة عابرة للحدود الوطنية، تضطلع جماعة إجرامية منظمة بتنفيذها أو الاشتراك فيها أو التخطيط لها أو تمويلها أو الشروع فيها.
تجريم التزوير للحصول على سكنات وإعانات اجتماعية
كما يقترح المشروع تجريم عدة أفعال جديدة، ويتعلق الأمر لاسيما بتجريم أفعال التزوير واستخدام المزور بهدف الحصول على عقار أو مسكن بغير وجه حق وأفعال الشعوذة وأفعال التسول التي ترتكب في إطار جماعة إجرامية منظمة وأفعال التزود بالوقود أو القيام بتعبئة رصيد المكالمات الهاتفية أو الأنترنت أو الحصول على أي خدمات أخرى مع العلم بعدم القدرة على دفع ثمنها.
وتنص المادة 253 مكرر1 على أنه “دون الإخلال بالعقوبات الأشد، يعاقب بالحبس من سنة 1 إلى خمس 5 سنوات وبغرامة من 100 ألف إلى 500 الف، كل من يتحصل على إعانات أو مساعدات مالية أو مادية و عينية بما فيها الحصول على سكن أو عقار من الدولة أو الجماعات المحلية أو أي هيئة عمومية أخرى أو على إعفاءات في المجال الاجتماعي، عن طريق التصريح الكاذب.
أو باستعمال معلومات خاطئة أو ناقصة” وتكون العقوبة بالحبس من خمس 5 إلى عشر 10 سنوات وبغرامة من 500 ألف دج إلى 1 مليون دج إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في هذه المادة عن طريق تزوير وثائق الإقامة أو الوثائق الجبائية أو الصحية أو غيرها من الوثائق التي يمكن استخدامها للحصول على الإعانات والمساعدات المعنية.
تجريم المساس برموز الثورة والنشيد والعلم الوطني
كما يجرم المشروع الإهانة أو السب أو القذف الموجه بأي وسيلة ضد رموز الثورة التحريرية المنصوص عليها في التشريع الساري المفعول، من بيها المجاهد والشهيد والنشيط الوطني العلم الوطني.
وكان الرئيس عبد المجيد تبون، قد طالب الحكومة في مجلس الوزراء الاخير بأن يتضمن القانون الجديد “أقصى العقوبات ضد كل مزور أو مستخدمي التزوير مهما كان، سواء تورط في قضايا كبرى أو صغرى تخص أبسط مناحي الحياة”.
وأفاد بيان مجلس الوزراء بأن الهدف من هذا القانون هو “معالجة هذه الظاهرة التي تحولت إلى سلوك مجتمعي خطير على حساب غالبية الجزائريين النزهاء، والمعالجة العميقة والردعية بأتم معنى الكلمة لكل الاختلالات المجتمعية بهدف تجسيد الشفافية وإقرار المنافسة الحقيقية والنزيهة في كل المجالات”.
وفي لقاء سابق مع الصحافة الوطنية أثار الرئيس تبون قضية تزوير الوثائق، وقال إن “مشكلة التزوير سمحت للكثيرين بالاستفادة من شقق سكنية وامتيازات وصفقات إلى جانب التهرب الضريبي”، وأكد بأن الرقمنة هي الحل للحد من تفاقم التزوير.
وفي هذا السياق قال المحلل السياسي عباس ميموني، بأن الوزير الأول السابق عبد العزيز جراد “تحدث عن قانون لأخلقة الحياة العامة، وكان يقصد أخلقة الإدارة العمومية ومحاربة البيروقراطية وكل المظاهر المؤدية إلى الفساد”.
ودعا المتحدث إلى استحداث قانون ردعي “لأن الأمر يتعلق بتزوير شهادات وكل ما من شأنه تمكين شخص من امتيازات دون وجه حق.. هذا مسعى جيد لتنظيم الحياة العامة، لكن السؤال هو عن العقوبة.. هل ستكون العقوبة رادعة فعلا من أجل تحصيل نتائج تعود بالإيجاب على المجتمع وتحقق المبتغى من القانون؟”.
ومن جهته أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر الدكتور عبد الحكيم بوغرارة، قال إن المحاكم الجزائرية “ترصد يوميا قضايا خاصة بالتزوير واستعمار المزور في كل المجالات؛ في السيارات والعقارات والشهادات وانتحال الصفة”، واعتبر بأن هذا الأمر “بات ثقافة يومية في المجتمع”.
وبحسب بوغرارة فإن “استشراء هذه السلوكات في المجتمع حتى ضاقت بها المحاكم، دفعت الحكومة إلى البحث عن تشريعات وطنية أكثر فعالية لمواجهتها.. تشريعات تستجيب أيضا لدعوات من منظمات ومؤسسات دولية من أجل أخلقة الحياة العامة”.
ودعا بالمقابل إلى التركيز على التنشئة الاجتماعية للوصول إلى مجتمع سوي وفق ما توصلت إليه دراسات الخبراء في العالم، وأضاف ، عندما نعود إلى التنشئة ستصبح ظاهرة التزوير وغيرها من الظواهر أمرا استثنائيا”.