يحق لنا كجزائريين الاحتفاء و التثمين لإسهامنا في التأسيس لمدونة قيم و ثقافة السلم ، و في تاريخنا المعاصر فقط نستحضر دور الأمير عبد القادر في القرن التاسع عشر ، دور كان معبٍّر عن رؤية تواصلت في طرح الشيخ خالد بن تونس فكانت المبادرة التي تبنتها الأمم المتحدة ، و كانت القيمة المضافة التي أضافتها الجزائر للإنسانية .
في ديسمبر 2017 صادقت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة على اعتماد 16 مايو كيوم العالمي للعيش معا في سلام و ذلك تفاعلا مع مبادرة انطلقت من الجزائر و بالتحديد خلال مؤتمر بوهران سنة 2014 للجمعية الدولية الصوفية العلوية وهي منظمة غير حكومية، وهي الطريقة المعروفة بالعلاوية الكائن مقرها الرئيسي بمستغانم .
رئيس الجمعية الصوفية العلوية،الشيخ ، خالد بن تونس، الذي كتب و حاضر في مناسبات مختلفة و يسعى إلى بلورة مشروع في صلبه مبادرة العيش معا في سلام ، يعرّفها بأنها “قبول الأخر و التعدد و كذا القيم الكفيلة بتحقيق مصالحة البشرية والعمل على تحقيق عالم يسوده السلم “.
و تبنت الدولة المبادرة ثم احتضنتها الهيئة الأممية و توج ذلك بالمصادقة على المشروع بإجماع الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، في ديسمبر 2017. وتضمنت اللائحة 130/72 للجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان يوم 16 مايو ،يوما عالميا للعيش معا في سلام ،”كوسيلة لتعبئة جهود المجتمع الدولي بانتظام لترويج السلام و التسامح والشمول والتفاهم و التضامن “.
و لقد أنعشت المبادرة العالم فبادرت دول كاثيوبيا إلى إدراج ذلك فيي هيكلتها الحكومية بتخصيص حقيبة للسلم ، كما صدرت “وثيقة الأخوة الإنسانية” من أجل السلام العالمي والعيش المشترك، التي وقعها في أبو ظبي شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، والبابا فرانشيسكو بابا الكنيسة الكاثوليكية .
تزامن الاحتفال باليوم العالمي هذه السنة مع وضع عسير و محنة ، وضع جائحة أربكت العالم كله ، و لهذا كان التذكير بقيم المبادرة في هذا السياق له دلالاته و كما ورد في الموقع الإلكتروني للمبادرة تمثل الأزمة الصحية التي يعيشها العالم نتيجة انتشار فيروس كورونا فرصة للتذكير بـ “أهمية الروابط” التي تجمع الشعوب على اختلاف انتماءاتها العرقية والدينية والثقافية و”وقفة للتفكير في كل ما يوحدها “.
أنه “في كل مرة نبذل فيها مجهودا لمنع انتشار الفيروس نظهر إرادتنا العميقة في العيش معا, نعي ساعتها بأننا لا نعيش بمفردنا, ولكن مع الآخرين “.
و أن “الأزمة الصحية والإنسانية التي نعيشها تبين أن العيش معا أمر يهمنا كلنا, إنها تظهر أهمية الروابط التي توحدنا (…) إننا متلازمون بعضنا ببعض مهما اختلفت أصولنا, معتقداتنا, أدياننا, مراكزنا الاجتماعية وأماكن عيشنا”. وأكد على أن جائحة كورونا “تمثل سانحة فريدة لنعي حقيقة أساسية وهي أننا نعيش معا” وأن “الحجر المنزلي أو الصحي والتباعد الاجتماعي اللذين يعيشهما الملايين منا اليوم يجعلاننا نعيد اكتشاف الأهمية التي يحتلها الآخر في حياتنا (…) نحن بحاجة إلى الآخرين حتى وإن كنا لا نصادفهم في حياتنا اليومية …”. وأضاف أن احتفالنا اليوم بهذا اليوم هو “وقفة للتفكير في كل ما يوحدنا “.
و بأنه ” .. إذا استطعنا فرادى وجماعات تقوية قناعاتنا بأننا في الواقع نعيش معا وأنه بالإمكان جعله كذلك في جو من التناغم والسلام, يمكننا إزالة الجدران التي تقسمنا دون جدوى ولنجد بداخلنا تلك الحقيقة بأننا ننتمي إلى جسد الإنسانية “.
و عشية الاحتفال باليوم العالمي معا في سلام دعت “لجنة الأخوة الإنسانية” ومقرها الإمارات إلى تخصيص يوم جماعي للصلاة في ظل جائحة كورونا..و لقد تباينت الردود ، خصوصا في ظل التناقضات الصارخة مع استمرار التردي الخطير لكل ما يشكل حقا في الحياة .
لجنة الأخوة الإنسانية منبثقة عن “وثيقة الأخوة الإنسانية” من أجل السلام العالمي والعيش المشترك، التي وقعها في أبو ظبي شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، والبابا فرانشيسكو بابا الكنيسة الكاثوليكية.
و لهذا كان التثمين للمبادرة من الأزهر و البابا فالأزهر الشريف ذكر في تويتر عن شيخ الأزهر قوله “أرحب بالنداء الإنساني النبيل الذي أطلقته اللجنة العليا للأخوة الإنسانية بدعوة الناس حول العالم للصلاة والدعاء وفعل الخير، من أجل أن يرفع الله جائحة كورونا عن أسرتنا البشرية“.
كما قال البابا فرانشيسكو في حسابه على تويتر “لقد قبلت اقتراح اللجنة العليا للأخوة الإنسانية بأن يتحد مؤمنو جميع الديانات روحيا، في 14 مايو ، في يوم صلاة وصوم من أجل الدعاء إلى الله لكي يساعد البشرية على تخطي وباء كورونا“.
كما ان اليوم العالمي يأتي بعد يوم يستحضر فيه الفلسطينيون و كل أحرار العالم ذكرى النكبة و هو ما يعيد ترتيب الأوراق و الأفكار بخصوص صيغة السلم فالسلم كقيمة مطلقة لا معنى له في ظل غياب العدل و الحقيقة .
السلم تجلي من تجليات المصالحة ، و لا مصالحة بدون حقيقة و عدالة .
محمد بن زيان