الشهادات الحية لصانعي الثورة التحريرية: الصوت المخلد للذاكرة الوطنية
تمثل الشهادات الحية لصانعي الثورة التحريرية والمشاركين فيها أحد أهم مصادر تدوين وتوثيق التاريخ وصون الذاكرة الوطنية بكل انتصاراتها لتبليغها إلى أجيال ما بعد الاستقلال. وتتواصل عملية جمع الشهادات الحية لكتابة التاريخ مباشرة من أفواه صانعيه, ما يجعل منها مسعى مستعجلا جعل القائمين عليه في سباق مع الزمن, بالنظر إلى تقدم سن بعض أفراد الأسرة الثورية والوضع الصحي لبعضهم الآخر.
وقد تمكنت وزارة المجاهدين وذوي الحقوق, لحد الآن, من جمع رصيد هام من الشهادات الحية حول مختلف محطات الثورة التحريرية, حيث قارب عدد التسجيلات الثلاثين ألف ساعة, ما يعد بمثابة خزان للذاكرة الوطنية.
وتؤكد الوزارة الوصية أنها ستعمل على تحديد كيفيات تصنيف وترتيب كل الشهادات الحية المسجلة لتكون قاعدة بيانات يتم استغلالها والرجوع اليها في كل الأعمال ذات الصلة بمجال البحث في تاريخ الثورة التحريرية.
وفي هذا الإطار, نظمت الوزارة, خلا شهر يونيو الفارط, ملتقى حول “الرصيد السمعي البصري للشهادات الحية وأهميته في تدوين تاريخ الثورة التحريرية”, أكد خلالها وزير القطاع, العيد ربيقة, على ضرورة تحقيق “نقلة نوعية” في استغلال الرصيد الوطني من الشهادات الحية حول الثورة التحريرية, باعتبارها “مصدرا تاريخيا حيا ومرجعا أكاديميا وعلميا لا غنى عنه“.
وقال بهذا الخصوص أن هذه الشهادات يجري تسجيلها على مدار عشرات السنين وأضحى من الضروري الانتقال من مرحلة التسجيل إلى مرحلة الاستغلال وفق “مقاربات جديدة“.
ومن هذا المنظور, تسعى الوزارة الوصية إلى التخزين الرقمي لما تم جمعه من شهادات حية لمجاهدين ورفقاء سلاح قادة ثورة أول نوفمبر المجيدة, مع اعتماد مقاربات علمية وأكاديمية في استغلالها من قبل المهتمين بالبحث في التاريخ.
وتندرج عملية جمع الشهادات الحية ضمن ملف الذاكرة الوطنية الذي يحظى بعناية خاصة من قبل الدولة الجزائرية, وهو الحرص الذي “ينبع من تلك الصفحات المجيدة ومن تقدير الدولة لمسؤوليتها تجاه رصيدها التاريخي, باعتباره أحد المقومات التي صهرت الهوية الوطنية الجزائرية ومرتكزا جوهريا لبناء الحاضر واستشراف المستقبل على أُسس ومبادئ رسالة نوفمبر الخالدة”, مثلما جاء على لسان رئيس الجمهورية, السيد عبد المجيد تبون.
ولكون هذه الشهادات الحية رافد من روافد كتابة التاريخ الوطني, فقد تقرر اعتمادها, بعد تبويبها وتصنيفها وفق الآليات المتاحة ثم تخزينها رقميا, كأحد مكونات المنصة الرقمية “جزائر المجد” التي كان قد تم إطلاقها في الخامس من جويلية المنصرم, تزامنا مع ستينية الاستقلال, والتي ستكون “واجهة للجزائر, تاريخيا وحضاريا, يستجلي من خلالها المتصفح من داخل الوطن وخارجه الحقيقة كما هي, بعيدا عن حملات التشويه التي يروج لها أعداء الجزائر الحاقدين”, مثلما كان قد أكد عليه الوزير الأول, أيمن بن عبد الرحمان.
جمع الشهادات واستغلالها وفق مناهج علمية مدروسة
تحتاج كتابة التاريخ الثورة إلى جمع كل المعلومات المتوفرة واستغلالها وفق مناهج علمية مدروسة, بما فيها المصادر الشفوية المتمثلة في الشهادات الحية لمن شاركوا في ملحمة الانعتاق من الاحتلال الفرنسي الغاشم.
ويتم جمع الشهادات الحية على المستوى المحلي من طرف مختصين مؤهلين يسهرون على تسجيلها صوتا وصورة, كما يقومون بالتنقل إلى مقر من تعذر عليه التسجيل على مستوى المتاحف الجهوية.
وعند الانتهاء من هذا المرحلة, يتم إرسال المادة الخام الى المتحف الوطني
للمجاهد, حيث يتم عرضها على لجنة علمية مهمتها التدقيق في المعلومات التاريخية التي أدلى بها المعني مع إخضاعها للمقارنة مع الشهادات الأخرى ذات الصلة لاستخلاص قيمتها التاريخية.
ويتعين خلال كل ذلك تحري المصداقية والموضوعية وتجنب الوقوع في الذاتية وهذا قبل وضع المادة التاريخية المحصل عليها تحت تصرف المؤرخين والباحثين.
من جهته, يسهر المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر على استغلال هذا النوع من الشهادات الحية عقب دراستها وتصنيفها من قبل لجنة تقنية يشرف عليها مختصون في مجال التاريخ والسمعي البصري.
ويقوم المركز باستغلال هذه الشهادات في إعداد الأبحاث العلمية التي ينجزها, كما يضعها تحت تصرف مؤسسات و هيئات البحث العلمي الأخرى.
وإلى جانب متحف المجاهد وملحقاته الجهوية والمركز الوطني للبحث في الحركة الوطنية, أسندت مهمة جمع الشهادات الحية لمجاهدي الثورة التحريرية أيضا إلى هيئات أخرى تابعة للقطاع, على غرار مراكز الراحة للمجاهدين والمديريات الولائية للمجاهدين, وا لتي تم تزويدها بمختلف الوسائل الرقمية للقيام بعمليات التسجيل.
كما تم إبرام اتفاقية مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لجمع الشهادات الحية على مستوى عدد من جامعات الوطن, يتم التأكد من صحتها من طرف باحثين مختصين في مجال التاريخ.
حورية/م