الذكرى الأولى لرحيل “حامي الحراك”… ڤايد صالح أقسم أن لا تراق قطرة دم وتفادى سيناريو العنف في البلد
أمضى أيامه الأخيرة وهو لا يعلم أنها الأخيرة.. أدى واجبه ووفى بوعده وسلّم الأمانة ثم رحل في نفس هذا اليوم الذي يصادف الذكرى الأولى لوفاته.
تصادف اليوم الأربعاء الذكرى الأولى لرحيل نائب وزير الدفاع الوطني ورئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أحمد ڤايد صالح، الذي “قاد مسيرة في بضعة أشهر” كانت بمثابة فيصل حاسم لتاريخ الجزائر ومستقبلها، وذلك إثر إصابته بسكتة قلبية عن عمر ناهز 80 عاما.
من هو أحمد ڤايد صالح؟
ولد أحمد ڤايد صالح في ولاية باتنة الجزائرية عام 1940، والتحق وهو في سن الـ17 من عمره بجيش التحرير الوطني الذي حارب الاستعمار الفرنسي. وبعد استقلال الجزائر عام 1962، انخرط في صفوف الجيش وتلقى دورات تدريبية في أكاديمية “فيستريل السوفيتية” وتخرج بشهادة عسكرية، ثم نجح في اعتلاء مناصب مهمة بالجيش، لحين وصوله إلى منصب قائد سلاح البر عام 1994.
ترقية
وفي عام 2006، حصل ڤايد صالح على ترقية لرتبة فريق، وتولى رئاسة أركان الجيش الوطني الشعبي، قبل أن يعيّنه الرئيس السابق بوتفليقة في سبتمبر 2013، في منصب نائب وزير الدفاع، خلفا لعبد الملك ڤنايزية، مع احتفاظه برئاسة أركان الجيش.
وجاءت هذه الترقية بعد إصابة الرئيس السابق بوتفليقة بجلطة دماغية في 27 أفريل 2013، نُقل على إثرها إلى المستشفى الفرنسي “فال دوغراس”.
وفاة
في تاريخ 23 ديسمبر 2019، أعلنت وكالة الأنباء الرسمية الجزائرية وفاة رئيس أركان الجيش أحمد ڤايد صالح بعدما فاجأه الأجل المحتوم على الساعة السادسة صباحًا، بسكتة قلبية ألمت به في بيته، ونُقل على إثرها إلى المستشفى المركزي للجيش بعين النعجة.
وآنذاك، أصدر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بيانا ينعي فيه الراحل، قبل أن يشيع إلى مثواه الأخير بمقبرة العالية بالجزائر العاصمة في جنازة رسمية حضرها مئات الآلاف من المواطنين وعدد كبير من المسؤولين.
رجل المرحلة
واستطاع ڤايد صالح أن يستحوذ على المشهد في البلاد في مرحلة قصيرة، لكنها كانت حاسمة، رغم أنه شغل منذ سنوات مناصب رفيعة في واحدة من أكبر المؤسسات في البلاد.. المؤسسة العسكرية.
وترسخ اسم ڤايد صالح عند الجزائريين أكثر بعد موقفه الذي تبناه تجاه الحراك، حين خرج الجزائريون بالملايين إلى الشوارع للوقوف في وجه ترشح الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة.
وخاطب رئيس هيئة الأركان آنذاك الشعب ومحيط الرئيس بوتفليقة وشدد على “ضرورة إعلان حالة شغور منصب الرئيس استجابة للمطلب الشعبي”، ليتخندق بذلك مع الحراك ويكون ورقة ضاغطة أجبرت الرئيس المستقيل على الخروج من قصر المرادية حتى قبل انقضاء ولايته الرابعة بأيام معدودة.
قطرة دم
ولا يختلف اثنان أن القيادة العسكرية ومن ورائها الفريق أحمد ڤايد صالح جنبت البلاد سيناريو العنف، عكس ما حدث في مراحل سابقة عاشتها الجزائر على غرار أحداث أكتوبر 1988 وما أعقبها من أحداث عنف رفض الڤايد صالح أن تعيشها البلاد مرة أخرى.
وأعلن الفريق الراحل عن دعمه للمظاهرات في أكثر من مناسبة، وحذر من أن هناك من يريد العودة بالبلاد إلى سنوات الألم والجمر، في إشارة إلى العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر، مشددا على أن الجيش سيعمل على ضمان أمن البلاد ولن يسمح بالعودة إلى عصر إراقة الدماء.
وقد تعهد الراحل ڤايد صالح في خطاباته بعدم إراقة قطرة دم واحدة في الجزائر، واستطاع أن يفي بوعده، فرغم بلوغ الحراك أسبوعه الـ44 والمسيرات الـ44 التي خاضها الطلبة، لم يتورط الجيش ومختلف الأسلاك الأمنية الأخرى في العنف ضد الحراك والمتظاهرين.
ثقة ورسائل متبادلة
وفي وقت كان فيه صوت مؤسسة الرئاسة خافتا غير مسموع ولا يؤخذ به من طرف الشعب، وفي وقت صمتت كل الأصوات ما عدا صوت الشعب وحراكه، اختار ڤايد صالح الذي يمثل المؤسسة التي يثق فيها جميع الجزائريين ودخل في حوار غير رسمي معه، فبينما كان يخرج مئات الآلاف يوم الجمعة للاحتجاج، كان رئيس الأركان يطل كل ثلاثاء في مختلف خرجاته الميدانية ويبعث رسائل الاطمئنان إليهم.
حرب على العصابة
وشن الفريق الراحل حملة مفتوحة على عدة جبهات ضد من أسماهم “العصابة وأذنابها” الذين استغلوا مرض الرئيس المستقيل وراحوا ينهبون أموال الشعب ويتلاعبون بمصير وطن وأمنه من خلال استنجادهم بأطراف خارجية ومحاولاتهم إخراج الحراك الشعبي عن أهدافه وتحريضه على المؤسسة العسكرية.
وآنذاك، وفي أحد تصريحاته التي كانت تبثها مختلف القنوات التلفزيونية كل يوم ثلاثاء، ندد أحمد ڤايد صالح بـ”مخططات العصابة وأذنابها” في إشارة إلى رموز النظام السابق، وقال إن “هناك عصابة تستنجد بأطراف خارجية وإن الجيش يعمل على إفشال هذه المخططات وحماية سيادة البلاد والشعب الجزائري”.
كما ندد ڤايد صالح في نفس السياق بمحاولات “تقديم بدائل تستهدف ضرب الثقة القوية التي تربط الشعب بجيشه وإحداث قطيعة بينهما”، في إشارة منه إلى الشعارات التي كانت ترفع في الحراك الشعبي.
ومن المواقف اللافتة للراحل إصراره على محاكمة هذه “العصابة” وأذنابها من الشخصيات الوازنة أثناء فترة حكم النظام السابق، وهي المحاكمة التي تستمر حتى يومنا هذا.
الثبات في الحل الدستوري
والمتتبع لتصريحات الفريق أحمد ڤايد صالح منذ بداية الحراك الشعبي يلاحظ تأكيده الدائم على التقيد بالحل الدستوري وعدم الخروج عنه مع الإسراع في تنظيم الانتخابات الرئاسية.
وكرر ڤايد صالح في أكثر من مناسبة التأكيد على أهمية الإسراع بإجراء انتخابات رئاسية للتخلص من عناصر النظام القديم، ودعا الجزائريين إلى المشاركة المكثفة في الانتخابات كونها “بمثابة انطلاقة جديدة على مسار بناء الدولة الجزائرية الجديدة”.
وجاءت هذه التصريحات بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في وقت سابق وتم الاحتفال بذكراها الأولى قبل أيام، والتي وصفها الفريق الراحل بأنها “موعد مع التاريخ”.
ورغم أن رحيل ڤايد صالح أثر على جميع الجزائريين إلا أنه لم يؤثر على الجزائر التي تبقى اليوم واقفة شامخة بقوة مؤسساتها ووفاء رجالها وتضحياتهم.