ماذا بعد الفيروس؟ سؤال يطرح في كل الجهات ، و في ما يخص الجزائر بعد الكورونا ، هناك المواعيد المؤجلة و التي هي ضمن أجندة الرئيس التي تعهد بها في حملته الانتخابية و في برنامج حكومة جراد.
و لا يمكن فصل الحديث عن السياق العالمي و المعولم ، فهناك تشابك حاضر و يجعل كل بلد مرتبط بما يحدث في البقية ، طبقا لما يعرف علميا بتأثير جناح الفراشة .
و لا يمكن الغفلة عن انعكاسات الحجر و تداعيات اكتساح الفيروس ، و كل بلدان العالم حتى التي تمتلك اقتصاديات تصنف كبرى و قوية تأثرت . و نظرا لتأثيرات الحجر على الفعالية الاقتصادية سعت دول كثيرة إلى اعتماد مقاربات للحد من التأثيرات بفتح جزئي كما حدث في إيران أو باعتماد مقاربة خاصة كالتي سلكتها السويد و التي تعتمد على ما يعبٍّر عنه بتسطيح منحنى الإصابات .
و ربما تسيير التعاطي مع الجائحة هو المحك و هو المنطلق الحقيقي للمرحلة التي تلت الرئاسيات ، و قد يكون إذا ما تم بتحكم و عقلانية ورقة مهمة بل قاعدة قوة نوعية تسعف على تحقيق المنشود .
ما بعد؟ سؤال يطرح ، و الطرح مرتبط بكل الجوانب ، و هي إجمالا الجانب التأسيسي ـ السياسي و الجانب الاقتصادي ، لأنهما أساس كل ما يتصل ببقية المحاور .
الجانب التأسيسي ـ السياسي ، منطلقه التعديل الدستوري و ما سيترتب عنه في البناء المؤسساتي و في المشهد السياسي و في العقد الاجتماعي و المجتمع المدني. مسودة المقترحات تمت صياغتها من طرف الخبراء الذين كلفوا بالمهمة ، و أجلت المناقشة بسبب الظرف الطارئ .
الجانب الاقتصادي ، ارتبط برهان أساسي هو تحقيق الحد من هيمنة التبعية للريع النفطي و الانتقال إلى اقتصاد منتج للثروة ، و في برنامج الحكومة تركيز على اقتصاد المعرفة ، و لقد أثبت اجتياح الفيروس ، محورية المعرفة في مواجهة التحديات المختلفة . كما أن الفيروس أكّد محورية التنمية الاجتماعية و ضرورة حضور الدولة حتى لا تنفلت الأمور باسم حرية السوق .
و يرتبط السياسي و الاقتصادي باستمرار مسار الأخلقة و مكافحة الفساد باعتماد الشفافية و سد كل الذرائع المفضية إلى الفساد و تحرير المؤسسات من الخنق البيروقراطي .
يقول الباحث بومدين بوزيد :” في انتظار قانون المالية التكميلي وإيجابيات الإجراءات المتخذة مؤخّرا من طرف السّيد رئيس الجمهورية لصالح الخزينة العمومية واحتياط الصّرف نرجو اتخاذ الإجراءات التالية:
– مادام الدستور في طور التعديل والإثراء لماذا نحافظ على هياكل إدارية إستشارية لم تعد المبرّرات السياسية قائمة اليوم لاستمرارها؟، فالمزايدة حول “الهُويّة” من طرف السلطة لم تعد مقنعة وليست في حاجة إليها .
ولذلك اقترح ان تكون للعربية والامازيغية والإسلام مراكز بحث علمية تقدم برامج وبحوث واجتهاد يستفيد منها صاحب القرار ، وأن تكون هيئة وطنية للإفتاء مقننة ولها السلطة القانونية والأخلاقية والعلمية، هكذا لواحق رأس جسم الجزائر تكون له حواس فعّالة يبصر بها جيّدا ويسمع بها، وليس أعضاء مُترهّلة زائدة أشبه بجمعيات ثقافية تُرهق ميزانية الدّولة .
– إعادة النظر كلية في التنظيم الاداري للوزارات وبعض المؤسسات الإدارية ، هناك مديريات ولواحق بها زائدة ، ومرهقة للميزانية
نحتاج فعلا الى جسم دولة ، جسم مجتمع متوازن وسليم وأعضاؤه ضرورية وفعالة ونتخلص من الترهلات والزوائد والدهون التي تسبب الأمراض وإلا أصابته كورونا العجز” .
و ربما وضعية مواجهة الفيروس ، كانت محطة دروس جديرة بالاستلهام و الاستثمار ، يقول محمد هناد باحث في العلوم السياسية :” لابد على مجتمعنا أن يدرك أنه مجتمع طغت عليه الفوضى، بما في ذلك نزعته نحو عدم احترام النظام والسكينة العموميين. ولا أدل على ذلك من تلك القنابل المدوية أثناء الأعراس في ساعة متأخرة من الليل. كل هذه الفوضى موجودة على الرغم (أو بسبب) وجود بيروقراطية متشددة. سيفرض البلاء على مجتمعنا إعادة النظر في مثل هذه التصرفات وكذا في طريقته الاجتياحية في الممارسة الاجتماعية.
مواجهتنا الوباء ستجعلنا نكتشف طاقاتنا الكامنة – كما تدل على ذلك بعض المبادرات التي بدأت تظهرهنا وهناك. كما ستجعل الناس عندنا يتخذون زمام أمورهم بأيديهم عوض الاتكال أو التوكّل، مقللين من العودة إلى أمجاد الماضي الحقيقية منها والمزعومة، في تبرير مواقفهم وتصرفاتهم الحاضرة والتخلص من تلك العادات البالية حتى في طريقة تبادل التحية. سيكون من شأن مثل هذا التطور بروز عقلانية تحل محل الفكر الخرافي والتظاهر بالتقوى فينفتح المجال إلى علمانية تدريجية واندماج اجتماعي أكمل بفضل تنامي روح المواطنة والتضامن الاجتماعي الذي تقتضيه وحدة المصير“.
و خلاصة القول أن تعاطينا مع هذه المرحلة الحرجة هو ما سيحدد مسار ما بعد الجائحة.
محمد بن زيان