يستمر التهاوي المخلخل لأسعار النفط ، تهاويا مقترنا بتحولات تؤشر لعتبات دخول العالم طورا آرا من التاريخ .و السؤال ما هو موقعنا نحن في الجزائر من التحولات التي تتم بتسارع و بدون تحكم منا في منحنياتها ؟
و في اجتماع مجلس الوزراء مؤخرا ورد في عرض وزير الطاقة :”أنه بموجب اتفاق 12 أفريل الجاري لمنظمة الأوبيب+ بتخفيض الانتاج على ثلاث مراحل إلى غاية أفريل 2022، فإن حصة الصادرات الجزائرية سوف تنخفض بـ241 ألف برميل يوميا من البترول لتصبح ابتداء من فاتح شهر ماي 816 ألف برميل يوميا، ثم ترتفع إلى 864 ألف برميل ابتداء من فاتح جويلية القادم، لتستقر في المرحلة الثالثة الممتدة بين جانفي 2021 وأفريل 2022 عند مستوى 912 ألف برميل يوميا “.
و في تعقيبه على العرض تساءل الرئيس :” إلى متى ومصيرنا مرهون بتقلبات الأسواق العالمية للبترول، وشدد بأن الوقت قد حان للتركيز بكل عزم وجدية على الصناعة البتروكيمياوية، وتطوير قطاعات الصناعة والفلاحة، واستغلال الثروة البشرية التي تتخرج سنويا من جامعاتنا لتمكين الشباب من العمل بعبقريته المعهودة، كما يجب التوجه فورا دون اي تأخر إلى الاستثمار في قطاع الطاقات المتجددة قصد التصدير، لتحصين استقلالنا الاقتصادي من عالم المفاجآت الذي تمثله سوق البترول، وطلب بأن تتوسع مؤسسة سوناطراك في خططها للاستثمار في المشاريع البترولية في الخارج، لتحسين مداخيل الدولة “.
أكد الوزير المستشار للاتصال الناطق الرسمي لرئاسة الجمهورية محند أوسعيد بلعيد, , خلال ندوة صحفية
يوم الثلاثاء أن الجزائر ما تزال “متحكمة” في الأزمة الناتجة عن الهبوط الحاد لأسعار النفط في ظل تفشي وباء كوفيد-19 .
و أوضح السيد بلعيد ” أن الاجراءات الضرورة لمواجهة هبوط أسعار النفط كانت قد اتخذت خلال مجلس الوزراء الذي ترأسه رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون قبل نحو شهرين مضيفا بالقول “كنا نتوقع هذه الأزمة والتي احتطنا لها “.
ما حدث عالميا كان بمثابة مشهد تجاوز الخيال ولكنه بالربط مع السياق العالمي ، هو مؤشر من مؤشرات التحول و افراز من إفرازات تشابك في الإخلال بقواعد الاشتباك في اللعبة الدولية.يقول محلل الشؤون النفطية القطري أحمد النعيمي للجزيرة نت
” إن أسعار النفط تتعرض لضغوط كبيرة من حيث الطلب والعرض في آن واحد، وهذا لم يحصل من قبل .
فأسعار النفط ستبقى تحت رحمة التراجع الكبير للطلب -خاصة من الصين أكبر مستهلك للخام في العالم- بسبب تداعيات فيروس كورونا على النشاط الاقتصادي العالمي من جهة، ومن جهة أخرى وجود مخزون كبير سواء في البر أو الناقلات التي تطفو فوق البحار، بالإضافة إلى ضعف الطلب من قبل مصافي التكرير .
و أن المتعاملين في الأسواق يراقبون عن كثب تطور الإنتاج (العرض) من جانب المنتجين، وتطور الطلب من جانب المستهلكين، وهذا ما يفسر حذرهم في الوقت الحالي” .
العالم العربي بأكمله سيتأثر سلباً بانهيار أسعار النفط
أما الخبير النفطي الدكتور أحمد بدر الكوح، فاعتبر أن “الهبوط الذي نشهده حاليا كان متوقعا”و” أن الارتفاع الذي حدث عقب الاتفاق كان مؤقتا، وسرعان ما عادت الأسعار إلى النزول من جديد” .
و”أن الدول قامت بتخزين كميات كبيرة من النفط قبل الاتفاق الأخير، أي عندما كانت الأسعار متدنية، وأوضح أن ارتفاع الأسعار يتوقف على مدى امتصاص هذا المخزون” .
النعيمي قال إنه “ما لم تنته أزمة فيروس كورونا فإن الطلب على النفط سيظل ضعيفا، ومن ثم سيؤثر على الأسعار في الأسواق، ليدفعها إلى مزيد من الهبوط “و “أنه سيكون من الصعوبة جدا الحديث عن أسعار نفط في حدود أربعين دولارا قبل نهاية العام الحالي، هذا في حال وردت مؤشرات على قرب انتهاء أزمة كورونا “.
ويقول الكاتب الفلسطيني محمد عايش :” العالم العربي بأكمله سيتأثر سلباً بانهيار أسعار النفط، وليس فقط دول الخليج كما يحلو للبعض أن يتخيل، وعليه فعلى الدول العربية جميعها، شعوباً وأنظمة، أن تستعد لشد الحزام، وسياسات التقشف، وتتأهب لمرحلة ما بعد كورونا، وما بعد انهيار أسعار النفط، علماً بأن الانهيار الحالي في هذا الحجم وهذا العمق ستظل انعكاساته السلبية وتأثيراته على المنطقة، لسنوات مقبلة وليس للعام الجاري فقط .
أسعار النفط هبطت إلى ما دون 13 دولاراً للبرميل، لتهوى إلى أدنى مستوى لها منذ 21 عاماً، والحقيقة أن هذا السعر هو الأدنى في تاريخ النفط كله إذا ما قسناه بتكلفة الإنتاج، التي ارتفعت في السنوات الأخيرة، فالدول التي كانت تستطيع أن تبيع نفطها بهذا السعر قبل عقدين من الزمان، لم تعد كذلك اليوم، كما أن التأثير السلبي لهذا السعر على الدول المنتجة أكبر الآن، بسبب أن نفقاتها ارتفعت واقتصاداتها تضخمت .
الانهيار الجديد في أسعار النفط يرجع إلى ثلاثة أسباب رئيسية، الأول هو فشل منظمة «أوبك» وحلفائها في التوصل إلى اتفاق مبكر لخفض الإنتاج، يحافظ على التوازن في الأسواق، وهو ما أدى إلى هبوط حاد ومفاجئ في الأسعار، نتج عن عدم خفض الإنتاج مع الدخول في «حرب أسعار»، ظن المنتجون أنها ستكون خاطفة، وأن بمقدورهم إنهاءها متى ما أرادوا، وهو ما تبين أنه غير صحيح، إذ لم يفلحوا بعد ذلك في وقف النزيف، وإعادة الاستقرار إلى السوق، على الرغم من الاتفاق التاريخي لاحقاً، لخفض الإنتاج بواقع 9.7 مليون برميل يومياً .
أما السبب الثاني للانهيار فهو أزمة كورونا، التي دفعت صندوق النقد الدولي إلى أن يتوقع تراجع الطلب العالمي على النفط، بواقع 29 مليون برميل يومياً، خلال العام الحالي، وإذا استمرت الأزمة طويلاً فإن التراجع سيكون أكبر، ما يعني أيضاً أن اتفاق خفض الإنتاج لم يعد مجدياً، إذ لا يزال هناك فائض في المعروض بنحو 20 مليون برميل يومياً، بسبب أن التراجع في الطلب أكبر بكثير من خفض الإنتاج الذي تم الاتفاق عليه .
والسبب الثالث والأخير لهذا الانهيار هو الأزمة المقبلة التي تلوح في الأفق، وهي أزمة التخزين، إذ أن انخفاض الطلب العالمي بهذا المستوى الكبير، وارتفاع الإنتاج خلال فترة «حرب الأسعار» سيؤدي قريباً إلى أن يصبح المنتجون غير قادرين على تخزين إنتاجهم من النفط غير المباع .
العالم العربي من محيطه إلى خليجه سوف يتأثر، ويدفع ثمناً كبيراً للانهيار في أسواق النفط
العالم العربي من محيطه إلى خليجه سوف يتأثر، ويدفع ثمناً كبيراً لهذا الانهيار في أسواق النفط، فشركة «جدوى» للاستثمار، تتوقع أن تسجل موازنة السعودية عجزاً بقيمة 422 مليار ريال، أي حوالي 40% من الموازنة العامة للدولة، ونحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وهذه أرقام لم يسبق أن تم تسجيلها في تاريخ المملكة”.
السوق ليست مستقرة و المتغيرات تحدث بدون ضبط و لكن مهما كانت اتجاهات و منحنيات السوق ، هي محطة للتحرر من هيمنة الريع و الانطلاق في توجه يؤسس لديناميكية اقتصادية حقيقية ، ديناميكية اقتصاد المعرفة و التنمية الحقيقية .
محمد بن زيان