حوارات

البرلماني خليفة بن عابد في حوار مع ” الديوان ” : ” الإستشراف العلمي و الصحي كان ضعيفا ، لهذا غلبنا الكوفيد في الموجة الثالثة ” 

” شعبنا طبعه التضامن لهذا لا أتعجب حين يتلاحم في هذه الوثبة العاطفية النابعة من إحساسه بضرورة إنقاذ الأرواح التي بدأت تحتضر ” 

” المحيط الجيوستراتيجي في المنطقة ، يوحي الى حرب باردة “ 

حاوره : م.زرق العين 

تحدث النائب في البرلمان ، خليفة بن عابد ، في حوار مع ” الديوان ”  الأحد ، عن جملة من النقاط المتعلقة بتطورات الوضع الصحي في البلاد ، و الأسباب التي كانت وراء أزمة الأوكسجين ، و كذلك التدابير التي يراها مناسبة للنهوض بالقطاع الصحي ، كما تطرق إلى حنكة الدبلوماسية الجزائرية و دورها المحوري في معالجة الملفات الإقليمية و المساهمة في إستقرار دول المنطقة ، إضافة إلى ما جاء في خطاب العاهل المغربي الأخير ، وغيرها من النقاط الأخرى .

الديوان : مع تفاقم عدد الإصابات بفيروس كورونا في الأيام الاخيرة في الجزائر ، لاحظنا هبة تضامنية كبيرة من مختلف فئات المجتمع لمساعدة المرضى و تخفيف الضغوطات على المؤسسات الاستشفائية . ما هي قراءتكم لهذه الظاهرة الإنسانية ؟  

خليفة بن عابد :  رغم اني من مواليد أواخر الستينيات ، يحكى أن الشعب تطوع بالذهب أيام الاستقلال ، وهو نفسه الذي تضامن أيام زلزال الأصنام 1980 ، شعبنا طبعه التضامن لهذا لا أتعجب حين يتلاحم في هذه الوثبة العاطفية النابعة من إحساسه بضرورة إنقاذ الأرواح التي بدأت تحتضر ، و من الطبيعي أن يشعر المسلم بأخيه ، و هذا السلوك هو في جوهره ، رد قاطع على كل من شكك في لحمة الشعب ، و ساوم على استقالته من المشهد الاجتماعي . انه ذلك الحب الذي يثور في ملاحم الجزائر ، دم خاص في أوعية شعبنا ، و الجزائريون داخل و خارج الوطن كانوا على قلب واحد .

الديوان : الكثير يتساءل عن دور البرلماني في هذه الأزمة الصحية و الخدمات الجليلة التي يمكن أن يقدمها للمجتمع الذي يعيش حالة من التخوف و القلق أمام كثافة الأخبار المتداولة على مواقع التواصل الإجتماعي بخصوص عجز المؤسسات الإستشفائية في التكفل بالحالات المرضية ؟ 

خليفة بن عابد : نحن من رحم الشعب ، جاحد من ينكر ذلك ، بالأمس القريب ، خطبنا أصواتهم الغالية ، لا يمكن أن ندير ظهورنا ، و من حظ قائمة نواب ولاية الشلف أنهم متخصصون في مجالات تسيير مختلفة ، لهذا كان في بداية الأمر لقاء مصغر ، جمعني مع النواب ، حاج هني براهيم و خلادي زوهير ، و بوجلطية ناصر ، كنا قلقين جدا من واقع تسيير الأوكسجين و تنظيمه خاصة في ظل معلومات تصل إلينا ، عن حالات موت جماعي .

صدقني ، لم يهدأ لنا بال ، حتى اتفقنا على دراسة الوضع و توثيقه ببيان أولي ، يشخص الحقيقة بواقعها ، والمشاكل الموجودة ثم بالتحليل المفصل ، جسدنا كل ما تحتاجه المنظومة الصحية مع إقتراحات فعلية مؤسسة على الخبرة و الواقعية و الإستعجال مع تقديم طروحات للوقاية لتعميم اللقاح و إجراءات ردعية ، وفق التنظيم وصلاحيات الوالي .

الديوان : طرحت بقوة خلال الأسبوع الأخير ازمة ندرة و انعدام الأوكسجين بمعظم المستشفيات الجزائرية . 

في رأيكم أين يكمن الخلل ؟ و هل أزمة الأوكسجين لها علاقة بالأزمات التي شهدتها الجزائر في الأشهر الماضية على غرار أزمة ندرة المواد الغذائية الأساسية ؟ 

خليفة بن عابد : فلنعترف أولا أن الإستشراف العلمي و الصحي ، كان ضعيفا ، اين الجاهزية ؟ لهذا غلبنا الكوفيد في الموجة الثالثة ،  و لم نتعلم من المحيط العالمي ، وأزمته و لكني من الذين يؤمنون ، أنه بعدما يحصل ” الفاس في الراس ” ، علينا تحمل المسؤولية ، نحلل وفق معطيات موجودة ، نحن دولة قارة جغرافيا ، مساحة كبرى ، عوض التفكير في تركيب و إقتناء مولدات على الأقل في كل ولاية أو على المستوى الجهوي ، غفلنا عن ذلك ، و الاوكسجين مادة حيوية ، قد يقول البعض ، انما هي ازمة عابرة ، نقول له كان بالإمكان اقتناء مكثفات 15 لتر ، أو 20 لتر .. تخيل مثلا أن كل مؤسسة صحية تملك 150 جهاز ، ولاية مثل الشلف يمكنها استقبال حوالي 900 سرير بشكل عادي .

اذن نعترف انه سوء تقدير وليس تسيير ، لكن لا يمكن ان ننسى هذه السلوكات الاجرامية التي راهنت على جيوبها ، دون رحمة المرضى ، الذين استفادوا من ارتباك المنظومة الصحية ، لتصبح قارورات الأوكسجين سلعة تباع بدون معايير ثم هناك من يتآمرون على الجزائر، ينفثون في كل ريح لتحترق الجزائر .

الديوان : الجزائر تمتلك إمكانيات مادية ضخمة و إطارات و علماء اكفاء في شتى المجالات و بالأخص في المجال الطبي إلا أن واقع معظم مستشفياتنا لا يعكس حجم هذه الإمكانيات المتوفرة و الكثير من المرضى يشتكون من ضعف الخدمات الصحية العمومية المقدمة بالمقابل ميسوري الحال و كبار المسؤولين يفضلون العلاج في الخارج بالعملة الصعبة .  

في رأيكم أين الاختلال ؟ و ما هي أسباب هذه الصورة السوداء على القطاع الصحي في بلادنا ؟ 

خليفة بن عابد : لا ننكر ما تقدم في سؤالك ، فلنقف موقفا يعكس الواقع ، وما يجب ان يكون ، من يقوم بتسيير هذه المؤسسات ؟؟؟ هم ابناء هذا الوطن .. لماذا يساء استعمال اموال الشعب ، في اداء خدمات محترمة…

اعتقد ان مرجع ذلك ، هو سوء التسيير الاداري ، برؤية علمية المنجمنت ، فن من فنون التسيير ، الرقابة ، التدقيق ، التحفيز ، فلنجلس مع الطبيب و نعرف ماهي انطباعاته مشاكله تحفظاته… و لنجلس مع الاداري و المخبري و المختص ووو . علينا ان ننظم جلسات رسمية ، نسمع الجميع حتى الجمعيات ، هل المشكل في التجهيزات أم الهياكل أم هو كامن في التحفيزات المالية للعمال و الأطباء و الشبه الطبي ؟ هل هناك مشكل تقني أم تكوين أم عقلية ” بنعميس ” ؟ و علينا ان نحدد الداء لنجد الدواء ، حيث مازال الفقير ينافسه الغني في الكشف و الفحص المجاني ، هل يعقل ان نائب برلماني يفحص مجانا ؟ لا يعقل ذلك .

علينا أن نرسم مجانية الطب للفقراء ، متوسطو الدخل على الأقل 200 دج وهكذا تستمر خدمات الصحة ، و علينا تجاوزsocial  في الخدمات ، الضعفاء ملوك في الصحة وغيرهم عليه ان يدفع ثمن الفحص . و بإختصار أقول يجب اصلاح المؤسسات ، توفير التجهيزات و منح التحفيزات و تشديد الرقابة ، الدولة فاتها الكثير في البحبوحة المالية ، علينا الآن أن نستفيد من الأخطاء ، و ننجز مستشفيات عملاقة على مستوى الجهات نحاكي تركيا ولا عيب في ذلك ، نتعلم و نطور ، لأن الصحة قطاع مهم جدا .

الديوان : مع تعقد الأزمة الوبائية الأخيرة في الجزائر عموما و في الشلف خاصة ، كانت لكم تحركات و مساعي حثيثة على الصعيدين الرسمي و الشخصي لتوفير العتاد الطبي الضروري للمستشفيات .  

هل يمكن أن تشرحوا للرأي العام ما قمتهم به من واجبات و خدمات من أجل المساهمة في كبح جائحة كورونا ؟ 

خليفة بن عابد : انه امتحان صعب ، بعد توليك منصبا و تثبيت العضوية في البرلمان ، نواجه وجها لوجه ، موجة ثالثة للكوفيد  .

 لقاءنا مع الوالي ، نسميه اللقاء الاول ، كنا اربعة نواب ، وهو مشكور على تجاوبه وتفهمه ، تجاوز اللقاء اكثر من ساعة ونصف ، قلنا له الشعب قلق ، خائف و حزين ، نتفهم وطنيتك و حرصك على تسيير الازمة بنزاهة و هدوء ، لكننا غير راضون عن بعض الاجراءات ، بعضها ثقيل و بعضها مغيب ، وشرح كل نائب وجهة نظره واقتراحه .

ركزت شخصيا عن لقاءه مع المستثمرين ، و فتح باب التطوع و التضامن ، والحقيقة تجسد ذلك و بامتياز ، و عرف الناس أن الولاية برجالها و أبناءها ، و حوالي 11 مليار سنتيم ستفعل العجب في اقتناء مولدات ولمالا أجهزة أخرى  .

و طلبنا من السيد الوالي توسيع نطاق اللقاح لبناء جدار وقاية ، كما التمسنا اشراك المجتمع المدني للتخفيف على الاطقم الطبية و شبه الطبية من نظافة و وجبات ساخنة وغيرها ، و كان يستمع بهدوء و في الحقيقة ثمن كل اقتراحاتنا .

كان لقاؤنا الاول ، خارطة طريق ، حددنا فيها همزة وصل بيننا كنواب أمة و السيد الوالي كممثل دولة ، لقد اوصل كل نائب مقترحاته و نقل انشغالات مواطني الشلف ، لا ننكر تجاوب الوالي ووعده بتجسيد الممكن من المطالب ، ثم كان اللقاء الثاني الذي حضره اغلب النواب وتبلور في اللقاء ، نتيجة وخلاصة اجتماع النواب في المجلس الشعبي الولائي وتقديم اقتراحات واقعية ، اكدت طروحات البيان الذي نشر في الوسائط الاجتماعية وكان محل قراءات من الصحف ، و الحمد الله بفضل النواب تجسدت الكثير من النتائج منها دفع الولاية لاقتناء و تخصيص 5٫6 مليار سنتيم لتجهيزات خاصة بالأوكسجين و مبادرة لقاء الوالي بالمستثمرين و تشجعيها .

و اليوم رغم الظروف الصعبة ، نعيش تلاحم غير عادي بين النواب و الولاية و المجلس الشعبي الولائي و المستثمرين و الشعب بكل اطيافه ، للانتصار على الموجة الثالثة ثم الدفاع عن منظومة ستكون محل إهتمام النواب .

و من هذا المنبر ، أقول انه يجب ان نؤسس جبهة تضامنية في الولاية ، ليس فقط لمجابهة الكوفيد ، بل لكل الأخطار كالفيضانات و الحرائق و الزلازل و غيرها  . وعليه على السيد الوالي ممثلا للدولة ان يكسر الحاجز النفسي ، لجمع ابناء الشلف و تفعيل الخير معهم .

الدولة غير عاجزة فعلا ، لكنها تحتاجأ اولادها ، العالم كله ينتهج استراتيجية تضامنية ، الصلح الاقتصادي و الجبائي و كل ما من شأنه يطور بلدنا .

الديوان : كيف ترون العودة القوية للدبلوماسية الجزائرية و دورها المحوري في استقرار دول المنطقة ؟  

خليفة بن عابد : بالنسبة للدبلوماسية الجزائرية ، وعودتها القوية ، ذلك صبر وحكمة ، هناك رجال لا ينامون ، فالمحيط الجيوستراتيجي في المنطقة ، يوحي الى حرب باردة ، او قل حروب بالوكالة ، شرقا صراع اماراتي تركي حول من يتحكم في كرسي عرش تونس و خدمة اجندات توازن القوى العظمى ، وهو صراع يستمد شعلته من الجارة ليبيا في كسر الذراع بين مصر، وتركيا و خلطات فرنسا و عيون ألمانية و غيرها ، ثم ذلك العمق في مالي الاخت التي تؤمن بحلول الجزائر ، وفي الغرب مملكة التطبيع و الحقد الدفين ، برغم سلم الشعب المغربي .

الجزائر مدرسة في الدبلوماسية ، وهي تتحكم في شعرة معاوية ، تحسن التفاوض وفق حكمة ، اذا عز اخوك فهن ، ليس خوفا او رهبانية انما حكمة ومن يملك القوة ، يحسن ويعفو ، لهذا ليس غريبا فرض منطق الأقوى ولو بنصيحة أو ما يقال في لهجتنا ” حل عينك ” .

مازالت الجزائر برغم ما يحاك في مخابر الدول المعادية بتاريخها او بنزعتها الدينية في صراع ابدي ممثلة في إسرائيل ، تجنح للسلم لأنه سبيل البناء ودول الحوار و الجوار تعلم ان دبلوماسية الجزائر تتحرك وفق ترسانة من القيم والبروتوكولات و المعاهدات حسن الجوار تحت طائلة ثقة بقوة جيشها واقتصادها وحلفائها ضف الى خبرة وحنكة رمطان لعمامرة الذي يحسن التفاوض و يعرف متى يضغط دون ألم .

الديوان : ما هي قراءتكم لخطاب العاهل المغربي الأخير و تجديده الدعوة للجزائر لفتح الحدود مع المغرب ؟ 

خليفة بن عابد : تابعت خطاب ملك المغرب بغرابة ، ازدواجية في المضمون مثل رجل تسأله ديون عليه ، عوض تسديد ديونك ، يتبرع للناس بأموال و أمام عينك ويدعي الصلاح .

بالأمس يحاول زعزعة وحدة الجزائر وشعبها من خلال وثيقة يقدمها لمجلس الأمن ، و محاولة إغراق الجزائر بسمومه ، مع تطبيع واستسلام للعدو رقم واحد للعرب عموما و الجزائر خصوصا ، ثم نسمع عن وحدة و تاريخ و فتح حدود .

تسأل نفسك عن تناقض و ازدواجية لا تجعلك تثق في النوايا وبرغم ذلك ، ان لم تتوفر النوايا ، و البروتوكول السياسي ، بضمانات رسمية ، لا يمكن التقدم خطوة .

من منا لا يعرف الان مخططات الجار المغربي ، من اجل انعاش اقتصاده بفتح الحدود ، من منا لا يعرف مخططات الموساد ، لاستغلال فتح الحدود و الدخول بسهولة قصد زعزعة استقرار الوطن ، من منا لا يعرف ان فتح الحدود هو تكريس لنشر السموم في اجساد الشعب الجزائري .

النوايا شيء و الفعل شيء و موقفي هو في حقيقته ، موقف من هم أعلم مني ، بدواليب السياسة ، لكن نقول لملك المغرب ، ما قاله عمر بن الخطاب ” لست بالخب ولا الخب يخدعني “.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق