في سياق تحولات هائلة عرف و يعرف الإعلام باستمرار تطورا و يواجه تحديات التوازن بين ماهيته و ما تفرزه التكنولوجيا .. . يكتسح الإعلام البديل اكتساحا ضاعف التحدي أمام ما يسمى إعلام تقليدي .
و مع الانتشار تضاعفت التسريبات و اختلط الحابل بالنابل و غاب التحري و التدقيق نتيجة التسرع بحثا عن السبق أو سعيا لتصفية حسابات أو انتصارا لأهواء و ميول .
يقول الصحفي التونسي محمد كريشان :” عالم السياسة لا يخلو من خصومات تبلغ أحيانا حد الفجور لكن المشكل الآن أن الأخبار الكاذبة تحولت الآن إلى سلاح تدميري خطير تلهو به أكثر من جهة لا ترى حرجا في اتهام هذه وذاك بتهم خطيرة دون تقديم أي دليل بل ودون حتى الشعور بضرورة تقديم مثل هذا الدليل“.
والإعلام كما يقول الباحث السوري وسام الناصر :”مسؤول أمام الجمهور، وعليه أن يوفر له المعلومة بأفضل جودة وأسرع الطرق. فالجمهور هذه الأيام في أقصى حالات الحساسية والتأثر، لذا لا مجال للخطأ أو التهاون في الالتزام بأرفع معايير المهنة وأخلاقياتها “.
كما كتب الإعلامي السوري المعروف رياض معسس:” لم يواجه الإعلام العالمي حدثا يوحده حول حدث واحد كما يواجه اليوم الفيروس القاتل كورونا المستجد كوفيد 19، حتى في زمن الحروب العالمية. كون هذا الخطر عاما وبشكل مواز لا يفرق بين دولة كبرى وأخرى صغرى، ودولة قوية وأخرى ضعيفة. ولا بين غني وفقير، أو رئيس ومرؤوس. فأقوى دولة في العالم ( الولايات المتحدة) تقف عاجزة عن إيجاد العلاج المناسب والسريع لهذا الفيروس، وبالمثل دول الاتحاد الأوروبي “.
كورونا تجتاح العالم ، و بالتوازي مع اجتياحها تتدفق في كل ثانية أرقاما و صورا عبر وسائط التواصل الاجتماعي و عبر الفضائيات ، و تحاول الصحافة الورقية اللحاق بالتيار .و يصبح التحدي كما في كل الأحداث الكبرى التمكن من تقديم المعلومات التي ينتظرها المتلقي . و في ذلك السباق قد تنفلت اعتبارات تقوض أخلاقيات المهنة ، و تمس بالحقيقة أو بحثا عن الإثارة يتم التهويل و تكثيف حالة الرعب .
وكماقالمعسس:” نشرات الأخبار في القنوات الوطنية والعالمية اقتصرت على آخر تطورات المرض وانتشاره، والشخصيات المعروفة التي أصيبت به. وتراجعت باقي الاخبار أو اختفت تماما وكأن الساعة الإخبارية توقفـت عند حـدث كورونا ولا شيء سوى كورونا وانعكاسات المرض على الـوضع الاقتـصادي العـالمي والاجتمـاعي، وحتى السياسي، وتراجعت أحداث الحرب في اليمن، وليبيا، وسورية، وفلـسطين .
مصيبة كورونا ورغم أنها ضربت كل الدول ولو «بنسب متفاوتة» عدديا، لم تخف بعض القنوات، الموالية لأنظمة معينة، رغبتها في توظيف تفشي المرض لدى دول تناصبها العداء سياسيا فتستفيض في انعكاسات الجائحة على وضعها الاجتماعي والاقتصادي. بل ولا تتوانى قنوات كبيرة في تبني مصطلحات عنصرية أطلقها هذا المسؤول أو ذاك للانتقاص من دولة معادية او منافسة كما فعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اطلاق تسمية مبتكرة لهذا الفيروس بأنه « الفيروس الصيني» وكأن الفيروس بات له هوية سياسية وينتمي إلى شعب معين. أو تظهر قنوات أخرى عبارات تلامس التشفي بما تعاني منه إيران من تفشي المرض بشكل مفجع ويطال مسؤولين كبار في الدولة والقوات المسلحة “.
معايير و آليات المعالجة الإعلامية :
مهما تغيرت الأدوات و التقنيات ، تبقى الحقائق الكلية ثابتة ، و تبقى القيم مستمرة و هي المرجع و الفيصل .
و المعالجة الإعلامية الاحترافية ، هي التي تدقق قبل تسويق معلومة ، خاصة في زمننا الذي تتفاقم فيه صيغ الفبركة باستغلال التقنيات ، و لكن هناك تقنيات مضادة تفضح التزييف و الاصطناع . كما أن التدقيق يتحرى مصدر المعلومة و الأفضل تعددية المصادر لتشكيل نظرة متكاملة . والمعالجةالإعلاميةتقتضيأيضاالاستنادإلىأهلالاختصاصفيمعالجةالمعلومةأوالحدث،تبعالطبيعةموضوعالمعالجة،فموضوعككورونالايمكنالاستغناءعنأهلالاختصاصفيالطبوعلمالأوبئةوالبيولوجيا
و الكيمياء و الصيدلة . ثم هناك قضية الصياغة التي ينبغي أن تبتعد عن التهويل بحثا عن الإثارة ، و تبتعد أيضا عن التهوين .
و يقول الباحث السوري وسام الناصر:
“كثيرا ما تضع الحروب والكوارث والأحداث الكبرى وسائل الإعلام أمام تحديات جمّة، تفرض عليها التأقلم السريع وتخصيص الموارد والجهد المناسبين لتحقيق تغطية إعلامية وافية، ترقى لمستوى الحدث وأهميته .
في حالة وباء كورونا، يبدو التحديّ مضاعفاً؛ فالوباء عالمي، يهدد الجميع ويخلق حالة عامة من القلق والخوف، والجمهور حبيس المنزل، تّواق لكل خبر ومعلومة جديدة .
لذا، يصبح للكلمة يدٌ عليا، تصيب في مقتل إنْ أضلت طريقها. ويصبح للإعلام مهام غير اعتيادية، عليه التصدي لها بمهنية وسموّ .
المهمة الأولى، تتلخص بأهمية نقل المعلومة بمصداقيّة وحرفية، وترتيب الأولويات، بتأنٍ ورويّة. وهي مهمة تقليدية في الأحوال العادية، ولكنها تأخذ طابعاً ملحّاً في حالة وباء كورونا. ذلك لأن الجو العام مناسب جداً لانتشار الشائعات والمعلومات الملفّقة والمنقوصة. لذا، يجب نقل المعلومات من مصادرها الموثوقة بالسرعة الكليّة، دون زيادة أو نقصان، وبعيداً عن الإثارة والتشويق .
المهمة الثانية، وهي لا تقلّ أهمية عن سابقتها، تتلخص بضرورة التصدي للشائعات والمعلومات المغلوطة بشكل مستمر، وتفنيدها ودحضها بسرعة، قبل أن تتحول إلى حقائق ثابتة يتداولها الجمهور في الشبكات الاجتماعية، دون وعي بخطورة نشرها .
أمام غزارة تدفق المعلومات المتعلقة بهذا الوباء وتعدد مصادرها، يصبح لزاماً على وسائل الإعلام أن تدققها وتتحقق منها لتساعد الجمهور على التمييز بين الصحيح والمغلوط فيها .
المهمة الثالثة تتمثل في التركيز على مراقبة عمل وأداء المؤسسات الحكومية. هذه المهمة تتطلب الكثير من الحذر والمهنية، كي لا تقع وسائل الإعلام في فخ الترويج لسياسات وأجندات الحكومة وكي لا تتحول أيضا لأداة ضغط سياسية، تردد خطابات وانتقادات المعارضة والقوى المنتقدة للحكومة .
هنا تظهر حرفية ومهنية المؤسسة الإعلامية من خلال اختيار العناوين والتعابير المناسبة والمصقولة، بحيث لا تثير الخوف والهلع، ولا تساهم في التراخي والاستهتار .
في هذا السياق، رأينا أن بعض وسائل الإعلام العربية عمدت إلى تصدير أخبارها بعناوين مثيرة وبرّاقة، سواء بالتركيز على أعداد المصابين والضحايا أو من خلال اختيار تعابير مفرطة في الابتذال والتشويق. كما لاحظنا عدم الدقة في نشر المعلومات ونقصا واضحا في الاهتمام بالتفاصيل، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمعلومات المترجمة، حيث النزوع لتقديم وجبة إعلامية سريعة، دون اهتمام بدقة المعلومة وسرعة تبدل المعطيات .
هنا، تظهر الفروقات جليّة في أداء وسائل الإعلام المختلفة، بين تلك التي تتمتع بحرية نسبيّة تسمح لها بالعمل وجمع المعلومات دون أي قيد أو شرط، وبين وسائل الإعلام التي تخضع لرقابة صارمة من قبل أنظمة تسلطية تسعى لتجيير أي حدث لمصلحتها، دون اكتراث بمصير شعوبها
إن المتلقي، في هكذا أحوال، سيكون فريسة سهلة للمواقع الإعلامية التجارية، التي وجدت في الحدث المشتعل فرصةً لها لكسب الأموال بشكل سريع، ضاربة بعرض الحائط كل أخلاقيات العمل الصحفي ومعاييره .
محمد بن زيان