هل يشتعل جدل بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وأوروبا بشأن مصدر فيروس كورونا؟
اليوم، تتكشف أمام أعيننا كارثة متكاملة الأركان في الاقتصاد العالمي، وأصبح من المؤكد أن الأزمة الاقتصادية الحالية هي بالفعل أسوأ بكثير من أزمة عام 2008، وأصبح السؤال الواقعي المطروح الآن ما إذا كانت هذه الأزمة ستتجاوز الكساد الكبير في عام 1929 أم لا.
ووفقا لأحدث الإحصائيات في الولايات المتحدة الأمريكية، عن شهر مارس المنصرم، فقد انخفضت مبيعات التجزئة بنسبة 8.7%، وهي أسوأ نتيجة على الإطلاق منذ تاريخ الرصد، كذلك تراجع الإنتاج بنسبة قياسية بلغت 6.3%. كم هو مخيف أن نتصور ما يمكن أن يكون قد أصاب قطاع الخدمات، الذي لا شك تضرر بشدة من الأزمة.
وكل ذلك بينما ننتظر نتائج الوضع في أبريل، التي حتما سوف تكون أسوأ من ذلك بالنظر إلى الحجر الصحي الذي تفرضه السلطات، وتداعياته على القطاعات التي تخلق في مجموعها زهاء 90% من الناتج المحلي الإجمالي. حتى أن توقعات “جي بي مورغان” JPMorgan، بتراجع الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأمريكية في الربع الثاني من العام الحالي بنسبة 40% ليست مستحيلة.
في أوروبا، لم تنشر الإحصاءات بعد، ولكن من غير المرجح أن تكون أفضل من نظيرتها الأمريكية. وذلك بالتوازي مع ما تسببه الأزمة من تدمير لجميع مزايا الاتحاد الأوروبي، من حرية الحركة، وفرص عمل للمهاجرين من الدول الأكثر فقرا في الاتحاد. على العكس من ذلك، ظهرت وتظهر جميع السلبيات في كل دولة من دول الاتحاد، بينما تجتهد الدول الآن في إزاحة الآخرين، وتقاتل من أجل مكان تحت الشمس، وتغلق الحدود، وتشكو الدول الأكثر تضررا من غياب روح التضامن والتعاون بين الدول الأعضاء
تنهار “اليوتوبيا” الأوروبية أيضا على مستوى الإيديولوجيا، فالهياكل فوق الوطنية مشلولة، وفي وقت الأزمات، أكدت الدولة الوطنية على أنها المؤسسة الوحيدة القادرة على اتخاذ جميع التدابير من أجل البقاء. أي تأكدت قابلية الحياة للدول الوطنية فرادى كأنظمة مستقلة، وتأكد فشل الاتحاد في ذلك كمنظومة جماعية مشتركة.
وعلى خلفية ذلك، يحتاج الأوروبيون أكثر من أي وقت مضى إلى ما يمكن أن يوحدهم على أقل تقدير. ولحسن الحظ، بالنسبة للنخب الأوروبية، فهناك العدو المشترك اللدود والمناسب الذي خلقه الغرب: روسيا، لذلك سوف يستخدم الصراع مع هذا “العدو” الآن لتعزيز الروابط بين مؤسسات الاتحاد الأوروبي المتصدعة.
وعلى الرغم من أن العقوبات ضد روسيا إنما تضيف إلى سرعة تهاوي الاقتصاد الأوروبي، إلا أن الاتحاد الأوروبي يقوم بتمديدها بكل حمية وهمّة.
كذلك تبرز “مكافحة الدعاية الروسية”، وبخاصة فيما يتعلق بفيروس كوفيد-19 “كورونا”، فقد اتهم مشروع “الاتحاد الأوروبي ضد التضليل” EU vs DISINFO، وسائل الإعلام الروسية بنشر نظريات المؤامرة، بما في ذلك نقل تصريحات المسؤولين الصينيين والإيرانيين والعرب، ممن يعتقدون أن أصل الفيروس يعود للولايات المتحدة الأمريكية.
وأشار الموقع الأوروبي إلى أن “العديد من العلماء” يعتبرون أن نشأة الفيروس طبيعية، وبالتالي فإن مجرد الاستشهاد بتصريحات “غير صحيحة” لسياسيين يندرج تحت بند الدعاية الروسية. ولا عجب في ذلك، فالمطالبة بالرقابة الذاتية في أوروبا لم تعد تخجلها.
وهنا جاءت الضربة من حيث لم يتوقع الأوروبيون، من الرئيس ترامب شخصيا.
فقد أصبحت نشأة فيروس كورونا في معامل الصين هي الرواية شبه الرسمية في الولايات المتحدة الأمريكية اليوم، بعد أن نشرتها “فوكس نيوز” FOX NEWS، وغيرها من وسائل الإعلام الأمريكية. بل إن هناك تلميحات تكاد تكون أكثر من واضحة لترامب نفسه، تشير إلى أنه من الممكن أن تعتمد هذه الرواية كرواية رسمية في الولايات المتحدة الأمريكية. وكنوع من التدرج في الروايات، يمكن اتهام الصين مؤقتا بإخفاء المعلومات ونشر الوباء في جميع أنحاء العالم.
من الواضح طبعا، أن تلك ليست سوى أداة من أدوات الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، بينما تبحث الأولى عن أسباب لفرض عقوبات جديدة، وإجراءات إضافية لمنع الصين، تحت أي ظرف من الظروف، من استبدال الولايات المتحدة الأمريكية في زعامة العالم. إنها حرب لا زالت غير معلنة، سوف تكون فيها كل الأسلحة مشروعة.
ولكن، كيف لأوروبا أن تخرج من هذا الوضع، بعد أن تسرّعت برفض رواية الأصل الاصطناعي للفيروس؟ هل تصف ترامب بنفس ما وصفت به “الدعاية الروسية”؟ أم ستحاول الانتقال سريعا إلى الجبهة المقابلة، وتحول اتجاه حركتها 180 درجة، وتقبل اليوم نظرية الأصل الاصطناعي للفيروس، بعد أن رفضته بالأمس جملة وتفصيلا؟
ربما يبدو لنا أن الجمع بين النقيضين أمر مستحيل، إلا أن أوروبا قادرة على أن تذهب أبعد من ذلك بكثير. سوف يكون بإمكانها تقبل نظرية ترامب عن “الفيروس الصيني”، بل وإعلان كل ما عداها من نظريات أو روايات مؤامرة كونية ضد الحقيقة والحرية، ما يتيح لها فرصة الصراع مع روسيا ومع الصين في آن…
ومع ذلك، فإن عملية حشد الغرب بأكمله لمكافحة الصين هي قضية لم تحسم بعد. فأوروبا تملك مصالح مشتركة كثيرة مع الصين، وقد يؤدي قطع العلاقات الاقتصادية مع الصين إلى ضربة قاصمة للاقتصاد الأوروبي، ودفن المشروع الأوروبي برمته، حال تمكنه فجأة من التغلب على التحديات الأخرى. ولكن بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فإن الرهان في هذه اللعبة يمثل بالنسبة لها مسألة حياة أو موت، وبهدف الانتصار في المعركة، عليها ترتيب جميع الحلفاء في خط واحد على جبهتها. لذلك سوف يكون الضغط الأمريكي على أوروبا فيما يتعلق بقضية الصين هائلا.
باختصار، هناك أوراق لعب على الطاولة، و لا زال اللعب على أشده. فتبني قرار كهذا سوف يكون مؤلما لأوروبا، وسوف يزيد من حالة الانقسام داخل الاتحاد.
على أية حال، لنرى ما إذا كان تعزيز آليات الرقابة وأنشطة “وزارة الحقيقة” قادرا على إنقاذ المشروع الأوروبي! أعتقد أن العكس هو ما سيحدث على الأرجح. لكنني لن أفاجأ إذا بدأت الدول الغربية بفرض عقوبات على من ينكرون الأصل الصيني للفيروس.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب