ربما أهم ما يمكن رصده عقب تداول نص المشروع المقترح للتعديل الدستوري ، هو استعادة النقاش و الحوار ، و مهما قيل و سجل ، يبقى ذلك مهما ، خصوصا بالنسبة لنا كمجتمع عانى كثيرا و يحتاج إلى التعافي من ما ترسب . و يشكل الحوار أهم آلية لتحقيق ذلك .
الحوار ضروري للتمكن من تجاوز حالة التشتت التي جعلتنا نعيش صراعات أغلبها مفتعل و نغرق في معارك ترتد بنا إلى الوراء .
و بعض علامات ذلك تبرز في تركيز البعض على مواد محددة في التعديل و الغفلة عن غيرها ، رغم أهميته و اتصاله بالمصير .
يقول محمد أرزقي فراد السياسي والباحث في التاريخ :”أن مبادرة تعديل الدستور المقترحة قد جاءت في سياق تاريخي استثنائي أنجبه الحراك الشعبي السلمي، الذي أكّد للعالم أن السيل قد بلغ الزبى وأن وقت التغيير السياسي نحو الأفضل قد حان. وهذا يعني أن نجاح الشعب في تغيير موازين القوى كان سببا رئيسيا في دفع السلطة إلى التفكير في تعديل الدستور من أجل قطع دابر نظام شموليّ اختزل الدولة في شخص الرئيس الذي وضع نفسه فوق القانون.
وهكذا جاء في هذه الوثيقة أن الغاية منها هي الاستجابة لمطالب الحراك المتمثلة في بناء منظومة سياسية جديدة قادرة على تأسيس دولة القانون والعدل والمواطنة. فهل ترقى فعلا هذه المبادرة إلى طموح ومطالب الحراك؟ أم أنها دون ذلك لا تتعدى غايتها إضفاء ماكياج جديد على النظام القائم؟ وعلينا أن نسأل أيضا هل وفرت السلطة جميع شروط النجاح لهذه المبادرة من حيث الشكل والمضمون؟”.و بالتالي فكما يرى :” من الطبيعي أن تختلف الآراء إزاء مشروع تعديل الدستور المقترح، لأسباب كثيرة“
أما الدكتور بومدين بوزيد فيقول :” فلا الذين يرفضون كلية المسودة ولا الذين يساندون كلية يقدمون النصيحة والرأي ، ومعركة الفئتين الباغيتين هو في القدرة على تقديم الرأي والمنافحة من أجل دستور قوي للمستقبل “.
و فعلا كما ذكر الدكتور بوزيد ، التحدي هو في تجاوز التحجر بفتح أفاق تعبير و تفكير .
و انطلاقا يمكن الانطلاق من تحليل المشروع ، من تفكيك شيفرته و قراءة الملابسات التي التبست بطرحه .
ولقد سجل بومدين بوزيد النقاط التالية :
” 1-تُنشأ الدساتير للدولة وليس للسلطة ، فالدولة هي المستقبل أما السُّلَط فتتغير وتكون إستجابة مرحلة .
2-الذين دبّجوا الدستور كانوا مأسورين بالآنية الزمنية وبالوقائع التي حدثت في السنوات الأخيرة ، وهذا طبيعي في تفكير مسكون بالأزمة التي وجدنا أنفسنا في أتونها منذ مرض الرئيس السابق وما ترتب عن الفراغ الدستوري الذي عشناه سنة 2019.
3-تكتيك التمترس داخل ( المنطقة الوسطى) في بعض المواد ليس دائما منجاة فقد تكون الهجانة والتوفيفية التي ليست توافقية، وفي هذه الحالة نجوع الذيب ونغضب الراعي.
4-تلبس المدبجون للمسودة بحالة الضعف الحزبية وتلاشيها وتحولها الى لجان مساندة أو طوائف إقصائية ، ولذلك كان التعيين وخفوت الإرادة الشعبية واضحا في نسج بعض المواد التي وسّعت من صلاحيات الرئيس، وفعلا نحن أمام مجتمع لم تعد فيه الحزبية ذات فعالية ودور ، فهل نراهن على قوى مدنية أخرى في تأسيس هيئات سياسية قوية تنتشلنا من قطيع سياسي عاش على الريع والفساد ؟
إنها فعلا معضلة حقيقية حين يكون المستقبل مكبلا بواقع متخلف حزبيا وسياسيا ونخاف من دستور فيه جرعات ديمقراطية زائدة فيحدث شبيه ماحدث مع دستور 1989.
5- بعض المواد فيه المتشابه الذي يكون تأويله فاسدا بقصد أو بغير قصد سواء في الشرح والإثراء أو في النصوص والمراسيم التنظيمية اللاحقة ، ولذلك كلما أحكمنا المواد كان الحؤول دون ابتغاء الفتنة من تأويل فاسد ، إذا كان مؤلف النص لايبغي حيلة او تكتيكا ما ، ومنها عبارة (حياد المؤسسة التربوية ) و (حرية العبادة)و (المناصفة بين المرأة والرجل في عالم الشغل) و (الحرية الفنية والفكرية) وغيرها من العبارات“.
تلك بعض تفاعلات البعض مع النقاش ، و كل نقاش يعتبر مؤشرا ايجابيا فنحن في ورشة التمرن على إعادة تكييف علاقاتنا مع الذات أولا و مع عالمنا و عصرنا .
محمد بن زيان