الجزائر التي دخلت عقب رئاسيات ديسمبر الماضي طورا تحضيريا لتحقيق الانتقال نحو مرحلة أخرى ، تتجاوز ما سبق ، استقبلت العام الحالي بحزمة تحديات ، تضاعفت مع الصدمة التي مست السوق النفطية بالتهاوي الكارثي للأسعار ، تهاويا نجم عن تدافع سعودي ـ روسي ، و مقترن بتقلبات و جبهات صراع كالتي يشهدها المتوسط عقب تبلور مؤشرات ظهور الغاز في عدة مناطق ..و أيضا احتدام الصراع حول الماء مع تداعيات مشروع سد النهضة الإثيوبي و تداخل أدوار فاعلين اقليميين و دوليين .
و الجزائر ليست بمعزل عن محيطها و لا عن تداعيات ما يحدث في ظل تشابك عابر للحدود ، تشابكا يؤكد واقعيا ما قيل علمي عن أثر هزة جناح الفراشة .
و كان التحدي مركبا فالبلد تواجه إرثا و تستعد لترتيب الأوراق بطرح تعديل دستوري لإعادة القوة المؤسساتية و لتأكيد أرضية التوافق الوطني .
في خضم ذلك جاء اجتياح كورونا كتحدي لكل دول العالم ، تحدي وضع الكل على المحك و حتى دول تصنف ضمن عمالقة العالم أربكها الوباء و أظهر ثغرات هائلة في المنظومات المعتمدة ، ثغرات هددت كيانات كالاتحاد الأوربي و أشرت للتنامي المتسارع للعملاق الصيني .
ورشات تم تأجيل تفعيلها بسبب اجتياح الجائحة التي أثرت على اقتصاديات أقوى و أكبر الدول ، و أول ما تم تأجيله نقاش التعديلات الدستورية التي أعلن الرئيس تبون منذ أكثر من أسبوع عن مسودتها و أعلن عقب اجتماعه مع من أعدوا المسودة :” غير أنه أعلن عقب الاجتماع “تأجيل توزيع هذه الوثيقة على الشخصيات الوطنية، وقيادات الأحزاب السياسية والنقابات وجمعيات ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام، إلى حين تحسن الظروف التي تمر بها البلاد “.
كورنا لا تستثني أحدا و تهز منظومة العولمة :
ميزة كورونا أنها لم تستثني أحدا ، و أنها قلبت المعادلة فبعد أن ارتبطت الأوبئة بجنوب العالم ، تحول المركز إلى الشمال ، و صارت أمريكا في الترتيب الأول من حيث نسب الإصابات.
التهديد تحدى الجميع ، و تحدى الهيكلية المعتمدة منذ ما بعد تهاوي جدار برلين و تحدي المنظومة النيو ـ ليبرالية ،ذلك ما انتبه إليه مفكرون و خبراء و كتاب دقوا الناقوس ، و هو ما انتبه إليه مثلا جاك أتالي مستشار ال الرئيس الفرنسي الأسبق ميتيران المفكر جاك أتالي قال في تصريح :”أنه في كلّ مرة تضرب فيها الجائحة قارّة ما، تنزع المصداقية عن منظومة المعتقدات والتحكّم، التي لم تستطع منع وفاة الملايين من البشر. لهذا ينتقم الباقون على قيد الحياة من أسيادهم ويقلبون العلاقة بالسلطة.
اليوم أيضا، إذا تبين أن السلط القائمة في الغرب عاجزة على التحكم في المأساة التي بدأت قبل أسابيع، فإن كل نظام السلطة، وكل الأسس الإيديولوجية التي قامت عليها ستخضع للمراجعة، لكي يتم استبدالها بنموذج جديد مؤسس على سلطة أخرى، وسيكون للثقة منظومة قيم أخرى، بعد مرحلة مظلمة.
بعبارة أخرى، سوف ينهار نظام السلط المؤسس على حماية الحقوق الفردية، ومعه تنهار الآليتان اللتان تفعّلانه، أي السوق والديموقراطية، فكلاهما طريقة في تسيير تقاسم الموارد النادرة واحترام حقوق الأفراد.
إذا فشلت الأنظمة الغربية، فلن نشهد فقط قيام أنظمة شمولية تستعمل تكنولوجيات الذكاء الصناعي بشكلٍ فعال جدا، ولكن أيضا طرق سلطوية في توزيع الموارد (وهذا قد بدأ أصلا في الأماكن الأقل تهيّأ للكارثة والأقل توقعا ( في مانهاتن أمس لا أحد لديه الحق في اقتناء أكثر من 2 كيلوغرام من الأرز)
لحسن الحظ، وهذا درس آخر نخرج به من هذه الأزمات، فإن الرغبة في الحياة لا تزال قويّة، وأنه في الأخير، سيقلب البشر الطاولة بكل ما من شأنه أن يمنع تمتّعهم باللحظات النادرة من عبورهم على هذه الأرض.
حين تنجلي الجائحة، وبعد مراجعة عميقة للسلطة، سنمرّ بمرحلة تقهقر سلطوي، تحاول فيها السلطة القائمة التشبث بالبقاء، ثم مرحلة ارتخاء. بعدها، سوف نرى شرعية جديدة للسلطة، ولن تكون مبنية لا على الإيمان ولا على القوة ولا على العقل ( ولا حتى على النقود، هذا الأفاتار الأخير للعقل). سوف تنتمي السلطة السياسية إلى من يعرف كيف يُبدي تعاطفا أكبر للآخرين. كما أن القطاعات الاقتصادية التي سوف تهيمن هي تلك المتعلقة بالتعاطف، أي الصحة والمستشفيات والتغذية والتعليم، البيئة. وذلك طبعا بالاستناد أكثر على شبكات كبيرة من الإنتاج وتوزيع الطاقة والمعلومات الضرورية في كل فرضية.
سنتوقف عن الشراء بشكل هوسي أشياء غير نافعة، ونعود إلى الجوهري. فكل ما يثبت استعماله الأفضل للزمن فوق هذا الكوكب سنتعلم الاعترف به بوصفه نادرا وغاليا. إن دورنا الآن يتمثّل في جعل هذا الانتقال يمرّ بأثر سلاسة وأقل الخسائر حتى لا نرث حقلا من الأنقاض. وكلما أسرعنا في تفعيل هذه الاستراتيجية كلما خرجنا من هذه الجائحة والأزمة الاقتصادية المرعبة التي تعقبها“.
و من جهته الرئيس ماكرون كما علق الدكتور بومدين بوزيد في صفحته :” يتحدث عن الجائحة كمحنة وطنية ودولية ويطرح قضايا الوحدة والتضامن ويدعو الى الحفاظ على فرنسا واوربا. خطاب خلاصة اجتماعات ليس مع الأطباء فقط ولكن أيضا مع خبراء اقتصاديين اجتماعيين ونفسانيين. ينظر للمأساة برؤية كلية ويحذر من الانهيارات اذا لم يكن التضامن واحترام القرارت التي ستصدرها فرنسا في الايام القادمة“.
و النقاش الغربي يتركز كما ذكر الكاتب الصحفي الأمريكي توماس فريدمان :” أميركا منخرطة في نقاش عميق وواسع لا يشبه أي نقاش آخر في تاريخنا. نقاش حول ما هية المصلحة العامة إبان الوباء. أو كيف نعظّم المصلحة العامة بأقل الطرق قسوة؟“.
و هو ما أشار إليه الكاتب الصحفي حبيب راشدين:”ما هو واضحٌ للعيان، قابل للرصد، أن أغلب الدول التي رصدت بشحٍّ بضعة ملايين من الدولارات لتعزيز نظامها الصحي رغم التهويل، ورأيناها في دول صناعية غنية تتلكأ في توفير الأقنعة لأطقمها الطبية، ناهيك عن أجهزة التنفس وأسِرَّة الإنعاش، لكنها لم تتردَّد لحظة في تخصيص ألف مليار دولار في الولايات المتحدة و750 مليار يورو في أوروبا، لدعم البنوك والمؤسسات المضارِبة في البورصات وكبرى شركات التأمين، وعبَّرت عن استعدادها لتحمُّل عبء الديون المسمومة كما فعلت إبَّان أزمة الرهن العقاري، فيما صرفت النظر عن كارثة السقوط الحرّ لأسعار النفط الذي هو أبرز مؤشر عن إفلاس الاقتصاد العالمي وتوقف آلة الإنتاج فيه “.
والجائحة رغم فظاعة الخسائر كانت صدمة لإحياء ما خمد و كما كتبت الكاتبة الأردنية إحسان الفقيه :” شكرًا كورونا، لأنك جمعت العالم على هدنة لالتقاط الأنفاس من الصراعات والتصعيد المستمر، جمعت البشرية لأول مرة على مواجهة عدو واحد، هو أخطر من راجمات الصواريخ وقاذفات القنابل والبراميل المُتفجرة. شكرًا كورونا، لأنك أظهرت معادن الناس، فبان من يعضّ على القيم بالنواجذ، وظهر من كان يخفي وراء القناع، ثلة من الكوارث الخُلقية من الجشع والأنانية والدونية. من أجل ذلك، ولأكثر من ذلك، نقول: شكرًا كورونا.. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون “.
محمدبن زيان